عطاء

الإخلاص دليل كمال الإيمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

معنى الإخلاص أن يقصد الإنسان بقوله وعمله وجهاده وجه الله وابتغاء مرضاته من غير نظر إلى مغنم أو جاه أو لقب أو مظهر أو تقدم أو تأخر ليرتفع المرء عن نقائض الأعمال ورذائل الأخلاق ويتصل مباشرة بالله. وقد دعا الإسلام إليه ورغب فيه فقال (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)، (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين).

وقد جعل الله قبول الأعمال رهناً به ووقفاً عليه . روى ابن أبي حاتم عن طاووس أن رجلاً قال: يا رسول الله .. إني أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يرى موطني؟ فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزلت هذه الآية: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً).

والله سبحانه ينظر إلى القلوب لا إلى المظاهر والأشكال، فعن أبي هريرة أن الرسول قال: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم». والعمل لا يعتد به ولا يعتبر خيراً إلا إذا كان عن نية طيبة خالصة لوجه الله لأن العمل حينئذ يناط بغاية واحدة ومثل أعلى هو الله.. والله لا يأمر إلا بالخير ولا يحب إلا الخير فتكون وجهة الإنسان في الحياة وجهة الخير لنفسه وللناس جميعاً.

فعن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».

فالإخلاص والنية الطيبة تبلغ بالإنسان الذروة من السمو والرفعة وتنزله منازل الأبرار. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «طوبى للمخلصين الذين حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا.. أولئك هم مصابيح الهدى، تتجلى عنهم كل فتنة ظلماء» والإخلاص نجاة لما يتعرض له المرء من محن.

عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: «انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار، فدخلوه. فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه أن تدعوا الله بصالح أعمالكم».

قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالا فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً . فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه .

قال الآخر: «اللهم إنه كانت لي ابنة عم كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فأردتها على نفسها فامتنعت منى حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومئة دينار على أن تخلى بيني وبين نفسها ففعلت.. حتى إذا قدرت عليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه».

فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلى وتركت الذهب الذي أعطيتها. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج عنها.

وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إلي أجري . فقلت: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق . فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت: لا استهزيء بك: فأخذه كله فاستاقه، فلم يترك منه شيئاً.

اللهم: إن كنت فعلت ذلك، ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون .

ولقد كان التحلي بحلية الإخلاص سبباً في تطهير أنفس الصحابة من الرياء والنفاق والكذب فاندفعوا إلى غاياتهم الكبرى ينشدون إقامة الحق والعدل ويبتغون وجه الله وإعلاء كلمته.

رجاء علي

Email