وصايا نبوية

الجريمة الإلكترونية من منظور إسلامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن الجرائم التي ترتكب اليوم عن طريق الحاسب الآلي موجودة في عهد تدوين الفقه الإسلامي، بل حتى القوانين الوضعية لم تتطرق إليها إلا مؤخراً بعد ظهور الإنترنت، واليوم إذ يتقدم العالم في مجال العلم والاقتصاد بفضل الحاسب الآلي والإنترنت من جانب، فإنه يشكو تأخراً في الجانب الآخر بسبب اعتداء الحاسب الآلي والإنترنت عليه.

وقد أشارت إحصاءات الجمعية الأميركية للأمن الصناعي إلى أن متوسط سرقات البنوك المرتكبة بواسطة الحاسب الآلي 5,1 مليون دولار في العام، في حين أن الذي يكتشف من هذه السرقات لا يتجاوز 1%. كما أن المسح الميداني أظهر أن 63% من أصل 600 شركة أميركية وكندية أصيبت بفيروسات ضارة ومتعمدة من جراء جرائم الحاسب الآلي والإنترنت عليها.

وقد ذكر اللواء الدكتور محمد الأمين البشرى في بحثه: «التحقيق في جرائم الحاسب الآلي والإنترنت» ص 318 وما بعدها، والذي نشر في المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب - مجلد 15 - العدد 30 لعام 1421 ه، أن الولايات المتحدة الأميركية تفقد سنوياً 555 مليون دولار نتيجة سواء استخدام الحاسب الآلي.

وقد أكد البحث نفسه أن الحاسب الآلي يستخدم في جرائم المال والتلاعب في الحاسبات وغسيل الأموال والجرائم الأخلاقية والسياسية والعسكرية والإرهاب والقرصنة، ما يؤكد أن هذه الأنواع من الجرائم تدخل في عداد الإجرام الدولي. ولكي تتضح الصورة يجب أن نفرّق بين الحاسب الآلي وبين الإنترنت، فالحاسب الآلي (الكمبيوتر) مكونات مادية تتكون منها وحدات الحاسب، ومكونات برمجية تشمل نظم تشغيل الحاسب وغيره.

أما الإنترنت فيطلق على الاتصال الموجود بين مجموعة الحواسيب من خلال شبكة يطلق عليها «خمًٌُُّّْ» ويراد به الوسط الذي من خلاله تتبادل المنظمات والمؤسسات والأفراد المعلومات، وقد سمح أولئك لآخرين الاتصال بهم. وهذه الشبكة المعلوماتية يمكن أن تستخدم، كما يقول الدكتور عطا عبدالعاطي السنباطي في مجال الدعوة الإسلامية، وفي مجال التجارة الإلكترونية، وفي مجال الطب والوظائف وتعلم اللغات والسباحة والفن والمراقبة في العقوبات السالبة للحرية وغيرها.

من أجل ذلك، فإنهما قد يستغلان استغلالاً سلبياً يعود على الناس بالضرر مثل الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، وارتكاب جرائم تزوير، والنصب والخيانة والإتلاف والإرهاب والقذف ونشر الصور الفاضحة والاستغلال الجنسي للأطفال وغيرها.

وإذا قلنا إن جرائم الكمبيوتر والانترنت لم نجد لها ذكراً في كتب الفقه الإسلامي قديماً، هل نترك هذه الجرائم من غير عقوبة، أم أننا ننظر فيها من خلال إحدى الجرائم الثابتة شرعاً والمعاقب عليها شرعاً أيضاً؟

في الواقع إن جرائم الحاسب الآلي والانترنت يمكن أن يُنظر فيها في الشريعة الإسلامية من خلال جريمة السرقة أو جريمة الحرابة، وجريمة السرقة يمكن أن نعرِّفها من خلال تعريف الفقهاء والمعتمدين الذين اشترطوا لإيقاع عقوبة قطع اليد على السارق:

ـ أن يكون المأخوذ مالاً للغير.

ـ أن يبلغ ذلك المال النصاب.

ـ أن يُؤخذ على سبيل الخفية والاستتار.

ـ أن يؤخذ من حرز مثله.

ـ أن يكون الآخذ مكلفاً (بالغاً عاقلاً).

ـ ألا تكون له شبهة في المال.

ـ أن يدّعي مالك المسروق بأنه ماله.

وعلى سبيل المثال فإن بطاقة الائتمان الخاصة بأحد لو سُرقت واستُخدمت، فإنها تُعد سرقة لأنها مال وهي في حاجة إلى الحماية كالمال نفسه

وما يُقال عن بطاقة الائتمان المسروقة يُقال عن استخدام الانترنت لبطاقة الائتمان المسروقة، لماذا؟ لأنه مال أخذ على سبيل الخفية والاستتار.

إذن فإن جريمة الحاسب الآلي والانترنت يمكن أن تُعد سرقة متى توافرت فيها الشروط التي ذكرناها، ويمكن أن تتعدى جريمة السرقة إلى جريمة الحرابة، لأن السارق يأخذ المال سراً ممن ملك المال، ويمكن للمالك أن يستغيث بأحد من السارق في حينه، وضرر السرقة لا يتعدى المالك عادة. أما المحارب فهو من أخاف الطريق لأجل منع الناس من المرور أو لأخذ أموالهم أو هتك أعراضهم أو قتلهم أو غير ذلك مما يتعذر معه الغوث.

لذلك فإن الحرابة سُميت بالسرقة الكبرى، لأن المحارب يحارب الإمام الأعظم (رئيس الدولة) وقبل ذلك حارب الله ورسوله والمسلمين، ولقد بالغ الله في عقوبة الحرابة حيث قال: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم، إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم» )33 ـ 34 من سورة المائدة).

هذا وفقهاء المالكية يرون أن الإمام (رئيس الدولة) مخيَّر بين إنزال إحدى العقوبات الأربع بالمحارب، فلا فرق عندهم بين من قتل وأخذ المال، وبين من قتل ولم يأخذ المال، وبين من أخذ المال ولم يقتل، وبين من أخاف فقط.

يقول الدكتور عطا عبدالعاطي السنباطي وهو مدرِّس الفقه المقارن بالأزهر الشريف: قول المالكية أولى بالقبول لأنه يتفق مع جرائم الانترنت المستحدثة في هذا العصر، حيث إنها تأخذ شكلاً غير تقليدي، وجرائم الحاسب الآلي والانترنت أصبحت اليوم جرائم دولية، والجاني فيها ذو شوكة وقوة ويقوم بالتخريب وإتلاف مواقع الآخرين والتهجم على العقائد والشرائع.

لذا فإنها حرابة وعقوبتها عقوبة الحرابة في الشريعة الإسلامية، وكل من يشارك فيها أو يتستر على مرتكبي هذه الجرائم يُعد شريكاً فيها، وللحاكم أن يحبسه حتى يعترف أو يدل على ذلك.

Email