بصائر

المؤمن لا يحسد ويتمنى الخير للناس

ت + ت - الحجم الطبيعي

المسلم الذي يعيش مع ربه ويؤدي ما عليه من حقوق وواجبات ويحافظ على علاقاته بالناس ينأى بنفسه عن الشقاق والميل إلى العداوة وتمني زوال نعمة الغير وتجده كامل الإيمان محبا لله ورسوله ناويا الخير دائما ويفكر في طاعة الله ويسلك السبل التي تعينه على ذلك، المسلم الحكيم هو الذي لا يحب الغش ولا الخديعة في التعامل حتى لا يؤدي ذلك إلى الغضب والحقد المؤديين إلى الحسد.

فالمؤمن بطبيعته لا يحسد ولا يتمنى زوال نعمة الغير بل هو الذي يتمنى الخير للناس جميعا لأن قلبه طاهر من أدران المعاصي والنفاق والشقاق وكلامه طيب يرضي الله عز وجل، ونفسه هادئة راضية مرضية صابرة محتسبة قانعة بما قسمه الله. قال تعالى: ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما. (سورة النساء 32).

وقال صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن يغبط والمنافق يحسد فأما الأول فهو حلال وأما الثاني فهو حرام بكل حال وقال صلى الله عليه وسلم: لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد ÷رواه ابن حبان في صحيحة). وعن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا. (رواه الطبراني ورواته ثقات)

المسلم الحكيم هو الذي يتجنب الحسد على الأحوال كلها ولا يستسلم لوساوس النفس، لأن أهون خصال الحسد ترك الرضا بالقضاء وانطواء الضمير على إرادة زوال النعم عن المسلم. والحاسد لا تهدأ روحه ولا يستريح بدنه إلا عند رؤية زوال النعمة وهنا لابد له من علاج، وعلاجه أن يؤمن إيمانا كاملا بأن الأرزاق بيد الله وأنه سبحانه وتعالى فضل بعض الناس على بعض في ذلك، لعله يعلمها سبحانه وتعالى.

قال تعالى: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) وإذا استغرق العبد في حب الله تعالى ورضي بقضائه، انتهى أمره إلى أن لا يلتفت قلبه إلى تفاصيل أحوال العباد. والحسد من الأمراض العظيمة للقلوب.

ولا تداوى إلا بالعلم والعمل، فبالعلم يعرف الحاسد أن الحسد ضرر عليه في الدنيا والدين وأنه لا ضرر على المحسود في الدنيا والدين وعندما يعرف هذا عن بصيرة فارق الحسد لا محالة وأقبل على العمل المفيد كي يحقق أحلامه والإنسان العاقل يكون على إماتة الحسد بما قدر عليه أحرص منه على تربيته ولا يجد لإماتته دواء أنفع من البعاد عنه، فإن الحاسد ليس يحسدك على عيب فيك ولا على خيانة ظهرت منك.

ولكن يحسدك بما ركب فيه من ضد الرضا بالقضاء قال بعض الحكماء: بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه: أولها: قد أبغض كل نعمة قد ظهرت على غيره، والثاني: سخط لقسمته، يعني يقول لربه لم قسمت هكذا؟ والثالث: انه ضن بفضله، يعني أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو يبخل بفضل الله تعالى، والرابع: خذل ولي الله تعالى، لأنه يريد خذلانه وزوال النعمة عنه، والخامس: أعان عدوه، يعني إبليس لعنه الله.

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده. وقال بعضهم الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمة وذلاً، ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضاً، ولا ينال من الخلق إلا جزعاً وغماً، ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولا، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة وهواناً ونكالاً.

يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

تذكرت في دهري رخاء وشدة

وناديت في الأحياء هل من مساعد

فلم أر فيما ساءني غير شامت

ولم أر فيما سرني غير حاسد

روى عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله تعالى ويبتليك» رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب وفي رواية لابن أبي الدنيا قوله: فيرحمه الله. الإنسان العاقل هو الذي يستعين على قضاء حوائجه بالكتمان لأن أصحاب النعمة محسودون.

ولا حرج في الغبطة، أي من يغبط غيره في نعمة ويشتهي لنفسه مثلها وأيضاً لا حرج في المنافسة الشريفة. قال تعالى وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين، رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل أتاه الله علماً فهو يعمل به ويعلمه الناس» متفق عليه.

الإنسان العاقل هو الذي لا يحصل منه تمني زوال النعمة عن صاحبها سواء كانت نعمة دين أو دنيا، فلا يضمر سوءاً لأحد أو يرجو اندحار خصمه أو كساد تجارة تاجر من التجار وإزالة خيراته وإذا تمنى مثل هذه النعمة أو العز أو الجاه فلا حرج عليه لأن هذا يسمى الغبطة. وإن من سمات المسلم العاقل صفاء النفس من الغش والحسد ومن الغدر والضغينة وإن هذا الصفاء ليدخل صاحبه الجنة بإذن الله تعالى.

حامد واكد

Email