إكثار نبات القرم في مركز بحوث نادي تراث الإمارات

إكثار نبات القرم في مركز بحوث نادي تراث الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعُد نبات القرم من النباتات المتحملة للملوحة العالية، مقارنة بالنباتات الملحية الأخرى، وهو النبات الشجري الملحي السائد في سواحل الدولة، والخليج العربي، كما أن له عدة مسميات مثل شجرة ابن سينا نسبة للعالم المسلم المشهور ومنه اشتق الاسم اللاتيني، شجرة الشورى، ويطلق عليه كذلك القرم الرمادي الأبيض والقرم الرمادي، وبعض دول الخليج تطلق عليه القرم الأسود، وتتفق معظم المراجع العربية على اسم القرم الرمادي وإن كان هذا الاسم غير مألوف لدى عامة الناس.

يمكن حصر فوائد هذا النبات في عدة نقاط منها الفوائد البيئية وهي الهدف الرئيسي من إكثار هذا النبات والاهتمام به، لأنه يلعب دوراً مهماً في تعزيز النظام البيئي، حيث إنه يحمي السواحل من التآكل، وبما أن نحو(90%) من سواحل الإمارات رملية فإنها معرضة لخطر هذه الظاهرة، كما يعُد ملاذا آمناً لوضع البيض للأسماك، ويشكل مرتعاً خصبا لنمو القشريات، وكذلك مكان مناسب لتعشيش الطيور، وله فائدة كعلف للحيوانات، لأنه يضم نسبة بروتين عالية في الأوراق.

أما من الناحية الطبية يستفيد الناس من نبات القرم على مدى أزمنة طويلة، حيث كانت له استعمالات طبية متعددة مثل أن يدخل في تركيب نوع من الأدوية الشعبية، أو أن يكون هو الدواء بنفسه، واتفقت معظم المراجع العربية على أن القرم يدخل في علاج الكبد، واللثة، وبعض أمراض الضعف الجنسي، كما كان يستخرج منه بعض المواد التي تداوي الحروق.

وعن الفوائد الاقتصادية للقرم فأن فائدته تكمن بأخشابه ويعُد خشبة من الأخشاب الجيدة لصناعة الفحم، وكذلك استخدم بأغراض البناء في الماضي، ولا تزال قيمته كخشب للوقود باقية كسلعة اقتصادية مهمة في بعض الدول، بينما تناقصت أهميته الاقتصادية لدى معظم الدول ومن ضمنها دولة الإمارات.

الزراعة والإكثار

يبدأ الإزهار في نبات القرم في شهر إبريل من كل عام، وتنمو الثمار وتصل إلى الحجم المناسب للزراعة مع نهاية شهر أغسطس في العام نفسه لتكون جاهزة للقطف، ومن الميزات التي تسهل عملية زراعة البذور هي أن الجذير يبدأ بالظهور والثمرة ملتصقة بالشجرة الأم، بعد الجمع يتم نقع البذور في الماء أو يتم غسلها، وذلك لفصل القشرة الخارجية للبذرة، وبعد الزراعة في المشتل يتم اتباع نظام معين في الري حيث يبدأ بالماء العذب (تركيز الملوحة 0%).

ثم يتم رفع تركيز الملوحة تدريجياً إلى أن يصل الري بماء البحر (الملوحة 100%)، والهدف من ذلك هو أن سرعة نمو النبات بالماء العذب تكون عالية (50سم خلال شهرين)، بعد أن يصل تركيز الملوحة إلى (50%) يتم تعريض النبات لظروف التقسية وذلك لتهيئته للزراعة في الأرض المستديمة، وتستغرق عملية الري وتقسية النبات مدة زمنية طويلة (3-4 أشهر).

ويعُد نبات القرم من أولويات مركز البحوث البيئية، حيث إن المركز يولي هذا النبات اهتماماً خاصاً من أجل إكثاره والمحافظة عليه، يعتمد مركز البحوث والدراسات في نادي التراث في زراعة نبات القرم على طريقتين هما:

زراعة البذور مباشرة في المكان المطلوب زراعته.

زراعة الشتلات بعد تنميتها في المشتل

ويحرص المركز على جمع البذور من مناطق معينة، وذلك للحفاظ على النوع الوراثي السائد في المنطقة وعدم الخلط، وتجنب حدوث الطفرات أو الانقسامات الوراثية الغير مرغوب بها، وجاء ذلك بعد النتائج التي أثبتتها دراسة الأطلس البحري لإمارة أبوظبي حول تنوع الصبغات الوراثية في نبات القرم على مستوى الإمارة.

كما قام المركز بعمل مشتل خاص للقرم يختلف تماماً عن المشاتل الزراعية المألوفة في الدولة، وتم بناء هذه المشاتل في عدة أماكن خارج السمالية، ونتيجةً للعمل المتواصل في مجال زراعة القرم تعُد الجزيرة وهي مقر مركز البحوث البيئية، واحدة من أكبر الغابات الاصطناعية في العالم حيث تبلغ مساحة أشجار القرم ما يقارب (8 كيلو متر مربع).

ويشرف المركز على الزراعة في مناطق أخرى من إمارة أبوظبي، وكذلك بعض الجزر البترولية مثل جزيرتي زركو وارزنة، وذلك بموجب الإتفاقية البيئية الموقعة بين نادي تراث الإمارات وشركة تطوير حقل زاكوم «زادكو»، والتي بدأت مع أواخر عام 2005، وبلغ مجموع نباتات القرم المزروعة في جزيرة زركو حوالي (20 ألف) شتلة، بينما في أرزنة بلغ العدد الكلي ما يقارب (40 ألف) شتلة.

الدراسات والبحوث

يقوم المركز بعمل الدراسات والبحوث على مختلف النباتات وعلى رأسها نبات القرم، ومن الدراسات التي قام بها المركز هي دراسة العلاقة الغذائية بين الكائنات البحرية ونبات القرم، وكانت مدة الدراسة (4 سنوات) والتي أظهرت أن المناطق التي منع السمك منها بعمل الشباك خلال المراحل العمرية الأولى من النبات نتائج إيجابية من حيث عدد الأوراق وطول النباتات وكمية النباتات.

بينما المناطق الغير مسورة أعطت عكس النتيجة الأولى، ومن الدراسات كذلك يقوم المركز وبالتعاون مع شركة (زندر الزراعية) بتجربة تنمية فطر (الميكورايزا) الخارجية على جذور القرم، وذلك لزيادة النمو الجذري مما يعطي للنبات كفاءة عالية على امتصاص المواد المغذية من التربة.

وبالتالي يعطي نمواً سريعاً للبادرات في المشتل، ويعمل الفطر على تسهيل امتصاص المغذيات من التربة وحماية النبات من المسببات المرضية الأخرى، وكذلك قام المركز بعمل دراسة على مناطق نمو القرم والمناطق التي لا ينمو بها، وأظهرت النتائج وجود فطر (فيوزاريوم سولاناي) على عمق 30سم، ويعُد هذا الفطر من الفطريات الممرضة للنباتات، لأنه ينمو في أنسجة الخشب واللحاء داخل النبات وبالتالي يخنق النبات.

ولا يقتصر عمل المركز للبحوث على إمارة أبوظبي فحسب، بل إن المركز يقوم بعمل الدراسات على نبات القرم في مناطق أخرى من الدولة مثل إمارة رأس الخيمة بالتعاون مع هيئة حماية البيئة والتنمية، حول تأثير الرعي الجائر للقرم على البيئة الساحلية والبحرية.

التوعية البيئية

يلعب قسم التوعية البيئية في مركز البحوث البيئية دوراً مهماً في توصيل المعلومة لأفراد المجتمع بمختلف مستوياتهم التعليمية، وينال القرم من ذلك حظاً وافراً، وذلك لندرة المعلومات عن هذا النبات وفوائده عند الناس،ولتشجيع الأفراد على الاهتمام بهذا النبات فإن المركز دائماً يرحب بطلاب الجامعات والكليات والمعاهد اللذين لديهم الرغبة في التعرف على هذا النبات إما بالمشاركة في الدورات وورش العمل أو أن يعرض الطالب فكرته البحثية للمركز.

رؤية مستقبلية

إنطلاقاً من إيمان مركز البحوث البيئية بأهمية نبات القرم،قام المركز بتجربة أقلمة وزراعة أنواع أخرى من القرم تم استيرادها من خارج الدولة (شمال أستراليا، ودول جنوب شرق آسيا) وذلك للأهداف عدة منها، تنويع النباتات التي تساعد في حماية الشوطئ من التآكل، وزيادة تنويع الغطاء النباتي، وتعزيز البيئة الساحلية.

وتشمل القائمة ستة أنواع من القرم هي القرم اللبني، والأصفر، القرم الأحمر الطويل، والأحمر القصير، والأسود، وبوروغويرا وقد نجح مركز البحوث البيئية في أقلمة نوعين هما:

القرم الأحمر الطويل والقرم اللبني، وعلى مدى خمس سنوات أظهر القرم اللبني كفاءة عالية في تحمل الحرارة، ولايمكن القول بأن هذه النباتات تأقلمت بشكل تام لأنها لا تزال غير قادرة على إنتاج البذور، ولا تزال طريقة الإكثار بالعقل هي المتبعة.

وحتى الوقت الراهن يحاول مركز البحوث البيئية إيصال هذه النباتات للحد الذي يمكنها من الإنتاج والزراعة خارج السمالية.

وعلى مستوى القرم المحلي فإن المركز منتظم بالجدول السنوي الذي يطبقه منذ بداية الإزهار وحتى الزراعة كل عام،ويمكن للزوار التعرف على هذا النبات عن كثب في جزيرة السمالية.

Email