د. عبد المقصود باشا: عوامل النصر في حياة المسلمين تمثلت في العقيدة القوية والإيمان

غزوات الرسول معين لا ينضب من العبر والملاحم البطولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم دليل على عبقرية صاحبها على المستوى العسكري والإنساني، ومن ثم يستوجب على المسلمين في هذه الآونة أن يعودوا إلى تراثهم العسكري ليتدارسوه بإتقان ويأخذوا منه العبر والعظات، وليجعلوا من المنهج المحمدي طريقاً يسيرون عليه حتى يكتب لهم النصر والغلبة، في الوقت الذي تتداعي فيه كل الأمم على ثروات المسلمين.. فالفكر العسكري النبوي يعد بلا مبالغة معيناً لا ينضب أبداً ورغم ذلك يهمله أصحابه ليكون أداة يستعين بها العدو لتحقيق الغلبة على الإسلام ومن يدينون به.

يقول د. عبد المقصود باشا أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر: تحتفظ الذاكرة العربية والإسلامية، بصفحات مشرقة من التاريخ، سطرت الأمجاد والانتصارات بدماء الشهداء منذ صدر الإسلام وحتى يومنا هذا، وهناك الدروس والعظات المستفادة من تلك الانتصارات، التي ارتكزت على قوة الإيمان وصلابة المقاتل وحنكة القائد.. والمتأمل في تاريخ الغزوات الإسلامية، خاصة تلك التي قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك لأول وهلة أن عوامل النصر في حياة المسلمين، تمثلت في العقيدة القوية والإيمان بوجوب الدفاع عن مقدسات المسلمين إضافة إلى عناصر الصبر والثبات والتخطيط الجيد المحكم للمعارك.

ويرى أن التاريخ لم ينس تلك الروح السمحة التي تحلى بها الرسول وصحابته في التعامل مع أسراهم بعد الحرب، وفي تقسيم الغنائم، إذ إن الحروب لم تكن للاعتداء والنهب أو التوسع، بل كانت فقط من أجل نشر عقيدة سامية تنير الدنيا. وحول غزوات الرسول ودروسها وعظاتها وروح التسامح فيها يقول المفكر الإسلامي د. محمد عمارة: إن غزوات الرسول تميزت بدقة المعلومات التي عرفت عن العدو، وعن أرض المواجهة والذكاء الفطري الذي ساعد الجنود على الاشتباك والمواجهة.. مع الالتزام بالتوجيهات والتبسط في قبولها دونما غطرسة أو غرور.

ويوضح أن هذه المعاني تجلت واضحة في غزوة بدر، والتي كانت منبعا وإشعاعا للغزوات التي تلتها وأصبحت بمثابة استراتيجية، اتبعها الرسول في غزواته بعد ذلك، ومن بعده الخلفاء بشكل كبير. ويرى د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الشريف أن غزوات الرسول أرست مجموعة من المبادئ والقواعد العسكرية التي تدرس للقادة العسكريين في كل العصور، مثل مبدأ الشورى بين القائد وجنوده.

حيث تبادل الرسول الرأي مع أصحابه قبل المعركة واستمع إليهم وأخذ بنصائحهم، فكان المسلمون صفا واحدا في المعركة خلف رسولهم الكريم، وكان النصر حليفهم.. ويشير د. «هاشم» الى أن من الدروس المستفادة من غزوات الرسول استطلاع قوة العدو وأساليبه فيها، فالحروب تهتم بذلك، وتحرص القيادات العسكرية على معرفة قوة الخصم النفسية والعسكرية، وموقع المعركة، وتطبيقها لهذا خرج الرسول وأبوبكر في غزوة بدر يتعرفان على أخبار قريش، فعرفا عددهم من عدد الذبائح التي يأكلونها في كل يوم، فقد سألا بعض العرب الذين لا يعرفونهما كم يذبحون من الإبل في كل يوم لطعام الجيش.

ويؤكد د. «هاشم» أن العبرة بالكيف وليست بالكم، ففي هذه الغزوة العظيمة استطاعت الفئة القليلة المعدة إعدادا جيداً أن تنتصر على الفئة الكثيرة بإذن الله تعالى، كذلك السلاح مهم جداً في المعركة وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ولكن السلاح المعنوي، وهو الإيمان أقوى في تحقيق النصر، ولذلك جاء لفظ الآية الكريمة بقوله «من قوة» أي بالشكل الذي يحقق النصر.

ويقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف الأسبق: إن غزوات الرسول عبر ودروس واضحة المعالم للقادة والجيش بما تميزت به من تخطيط سليم، وثقة بالنفس وإتباع لأوامر القائد.. ومن هنا كانت حاجة المسلمين للاعتبار والاتعاظ بها، فيما تمثله من ظروف مشابهة لما نحن عليه الآن، حيث نواجه عدوا صهيونيا خطراً يحاول خنق المسلمين والعرب والتضييق عليهم بشتى الطرق.

وأضاف أن غزوات الرسول تعتبر أيضاً إشارة واضحة للمسلمين بالتحرك لنصرة المعذبين من إخوانهم المسلمين في شتي أنحاء العالم، ويظهر ذلك قوله تعالي «وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيراً» فالثقة بالنفس من أهم عناصر الانتصار، بالإضافة إلى استخدام المقدرات البيئية كالثروات الطبيعية، والتي يجب استغلالها لتستخدم كقوة تعزز مكانة المسلمين وتقوي شوكتهم.

ويحذر د. عبد العزيز غنيم أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر من وقوع المسلمين في فخ الكثرة العددية واعتبارها أهم مقومات النصر، إذا خلت من الثقافة والوعي والفكر الجيد، مشيراً إلى أن المسلمين رغم كثرة عددهم الآن إلا أنهم يعيشون حالة من الضعف انعكست في تأخرهم الشديد لما اتصفوا به من هزال وجهل تجاه التحديات التي تواجههم.. كذلك عدم مواكبتهم ركب الحضارة والاهتمام بهوامش الأمور.. وليس عمقها رغم أنهم أصحاب الحضارات الأولى والعقيدة، التي تستمد منها جميع مناحي الحياة.

ويقول لواء حسام سويلم الخبير العسكري: إن الدروس المستفادة من غزوات الرسول والخلفاء الأولي هي أحسن وأرفع استراتيجية يمكن التمثل بها الآن على عصور القتال المتطور، من حيث اختيار مكان المواجهة ودقته والتهيئة العامة لصفوف الجيش والشعب قبل بداية الحرب، كذلك عمليات التمويه والمداراة تجاه العدو، وربما كان أكثر مثل على ذلك ما استوعبته الأمة العربية عندما قررت محاربة العدو الصهيوني عام 1973 كذلك الالتحام العام للمسلمين في الإيمان بضرورة محاربة عدو لهم.

وشدد على أن تزويد المقاتل بأقوى الدوافع النفسية.. يعتبر أكبر دافع للاستبسال في القتال وذلك سعياً وراء النصر والشهادة.. كذلك قدوة القائد كنموذج للقوة والشجاعة والمبادرة.. كما أن الاعتماد على القيادة الحكيمة، مهما كانت القوة صغيرة من شأنه أن يقهر العدو، مهما اتصف بالعداد والقوة، معتبراً التخطيط السليم للمعركة على أحدث المعلومات عن العدو وتحركاته وقوته وخططه، أولى ركائز النصر.

فقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر فريقاً للاستطلاع لحصول على معلومات عن العدو.. بقيادة على بن أبي طالب والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص.. تسللوا إلى بدر وعلموا أن المشركين سيصلون لبدر في اليوم التالي والذي يليه، كما علموا أن أشراف قريش جميعاً خرجوا للقتال، وكذلك معرفة العدد التقريبي لهم، ومن هذا استطاع الرسول أن يضع خطته على أساس سليم.

ويرى لواء طلعت مسلم الخبير العسكري أن العقيدة والإيمان بالحق هما مفتاح النصر في جميع المعارك خاصة إذا جاءت في رمضان، حيث يعتبر الصوم منهاجاً للتربية العسكرية، وربما كان الفشل الأساسي في نكسة 67 هو عدم وجود عقيدة للجندي العربي حينذاك، وعندما أدركها في حرب 37 كان النصر العظيم الذي تحدث العالم عنه ومازال حتى الآن وسيظل يتحدث عنه عصوراً قادمة.

ويقول: انه في معارك وغزوات الرسول تبلورت النظرية الحربية الإسلامية.. والتي تعتبر مقومات النصر وليدة إرادة وصبر وثبات أمام الشدائد والحرب النفسية والدعائية التي يشنها العدو، كذلك الالتحام المباشر لأنه يرهب العدو.. ويجعله في حالة ارتباك وعدم توازن وهذا ما تجلى بالفعل في غزوات الرسول بالإضافة للوقت وبشكل خاص في شهر رمضان..

فهو شهر كريم له أبعاده المعنوية التي تدعم إرادة الإنسان، لأن الصوم هو العبادة الوحيدة التي تنسب لله، وهذه الطريقة تربي الضمير الديني والصبر والعزيمة والانضباط، وهي تربية عسكرية من الدرجة الأولي.. ولا يعبر هذا الانضباط عن الخوف من القائد إنما من رب العباد.. كما أن الصوم مجابهة الشهوات وكبح جماح النفس وهذا هو الجهاد الأكبر الذي يهون أمامه الجهاد الأصغر، وبالتالي ينتصر المسلمون.

وعن غزوة حنين التي وقعت في اليوم الخامس من شهر شوال من العام الثامن للهجرة النبوية، يقول د. عبد الصبور مرزوق نائب المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: من أهم الدروس المستفادة في غزوة حنين أن كثرة القوات - وحدها - ليست هي أساس النصر في الحروب، وإنما القيمة الكبرى في الإيمان بالله تعالي، وقد تأكد ذلك من دراسة الغزوات الإسلامية، حيث كان المسلمون قلة، وقد نصرهم الله تعالى على أعدائهم وأعداء الإسلام.

ويضيف د. مرزوق: إن الكثرة العددية بدون إيمان، لا فائدة منها، فقد أوضح الله تعالى في سورة «التوبة» لتحليل ذلك في قوله سبحانه «لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين، ثم أنزل الله سكينته على رسول الله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين، ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم».

أما د. على صبح عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الأسبق فيقول: إن نتائج معركة بدر والانتصار المعنوي والعسكري الهائل الذي حققه المسلمون قد رفع من روحهم المعنوية.

ويقول المفكر الإسلامي طارق البشري إن من أهم الدروس المستفادة في غزوات الرسول والتي بدت جلية في غزوة بني قينقاع هو سماحته صلى الله عليه وسلم، فبالرغم من مناصبة اليهود العداء للرسول فإنه تغاضى عن هذه العداوة وعمل على نشر روح التعاون والمودة مع اليهود فتحدث إلى رؤسائهم وتحدثوا إليه وتقرب منهم وتقربوا منه وأباح للمسلمين أن يؤاكلوهم وأن يتزوجوا نساءهم.

وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم بجانب حسن معاملته لليهود أن يزيد من أسباب التعاون وتداول المنافع معهم فعقد بينه وبينهم معاهدة أمنهم فيها على أنفسهم وأموالهم وعقائدهم وضمنها ما فيه خيرهم وخير المسلمين، وهنا تبرز حنكة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد نظره وعمق تفكيره.

Email