الاتزان الكيميائي

الاتزان الكيميائي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعلنا نعرف أن الإنسان يعيش في حالة اتزان كيميائي كامل مع الوسط المحيط به. ومن مظاهر هذا الاتزان أن المكونات الكيميائية للجسم تتغير وفقاً لما نأكل وما نشرب. كذلك فإن التركيب الكيمائي للنبات يتغير تبعاً لتركيب التربة التي زُرع فيها هذا النبات.

والنموذج التقليدي الذي يشار إليه عند الحديث عن هذا الاتزان هو تأثر جسم الإنسان بنقص عنصر اليود والذي تحتاج إليه الغدة الدرقية لإفراز هرمون الثيروكسين والذي ينظم كيمياء الكالسيوم الذي يبني العظام. اليود يتوفر عند المناطق الساحلية وأيضا في الكائنات البحرية جميعاً.

فإذا ما اعتاد الإنسان أن يأكل الأسماك أو غيرها من طعام البحر، فقد اطمأن على غُدتِه الدرقية وإن كان لا يحب طعام البحر ولكنه يقيم بالقرب من الساحل، فليس هناك بأس، ذلك أن اليود سيصل إليه عن طريق هواء البحر. لذلك فإن معدلات الإصابة بالغدة الدرقية تزداد كلما بعدنا عن البحر، وكلما بعدنا عن المأكولات البحرية.

ولكن، حيث إننا أدركنا العلة وسببها، وان نقص اليود يؤدي إلى ضرر للغدة الدرقية، فالوقاية تصبح أمرا يسهل إدراكه بأن يضاف اليود إلى ملح العام بنسب توافق احتياج الإنسان. حقا، لقد خلق الله كل شيء بقدر.

المثال السابق يوضح تأثر الجسم البشري بتركيب الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه، ولكن هناك عشرات الأمثلة لأضرار تحدث نتيجة إفساد الإنسان لهذا الوسط، سواء بقصد أو بغير قصد. لقد هل علينا القرن الواحد والعشرون ونحن نرى بدايات كارثة التغير المناخي، بما أفسد الناس في البر والبحر والجو. ولعل ما يجعل مواجهة التغير المناخي أمرا في غاية الصعوبة، هو أن مسببات الضرر هي نفسها مصادر الثروة والقوة، فكلما زاد التصنيع زاد انبعاث الملوثات المفسدة للمناخ، وعلى رأسها أكاسيد الكربون والكبريت.

دعنا نأخذ نموذجا لإحدى الصناعات المفسدة للمناخ، إن كل طن ينتج من الأسمنت، بورتلاندي أو غيره، ينتج 800 كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون وهو غاز الصوبة الزجاجية الأشهر والمسبب الأول للتغير المناخي. مصانع الأسمنت الكبيرة ينتج كل منها حوالي 10 ملايين طن أسمنت سنوياً، أي أن كل مصنع منها يطلق للهواء 8 ملايين طن ثاني أكسيد كربون سنوياً.

كم من هذه المصانع يعمل دون مصافي ملائمة لتجميع الغازات؟ أليس من حق كل فرد أن يراقب المصانع المخالفة لأنها تعتدي على حياته وحياة الأجيال القادمة؟ أم إننا سنترك الأمر برمته إلى العاملين في مجال البيئة؟

Email