د. يوسف القرضاوي: الحوار أفضل الوسائل للتعاون والتقارب

العلماء يدعون إلى نبذ الاختلافات من أجل وحدة الأمة الإسلامية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

دعا علماء المسلمين إلى نبذ الاختلافات وخاصة التي تنشأ بسبب الخلافات الفقهية وشاعت بين علماء الأمة والتي لم تكن موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، مؤكدين على أهمية التقارب والتعاون بين المسلمين.

ومن جانبه يقول بكر زكي أستاذ علم الأديان: إن القرآن الكريم والسنة النبوية حذرنا من الفرقة والاختلاف، فيقول سبحانه وتعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» والفرق المذهبية لم نرها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان الوحي يكشف له مؤامرات ونوايا المنافقين، الذين يريدون الشر لهذه الأمة. وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه على سبيل التحذير لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعاً بذراع حتى إذا دخلوا حجر ضب دخلتموه، وقال أيضا على سبيل التحذير وليس على سبيل التبشير ستتفرق الأمة أكثر من افتراق من سبقها، ولا شك أن وجود الرسول صلى الله عليه وسلم كان عاصماً من وجود المذهبيات والفرق.

وأشار إلى أنه كان هناك اختلافات في فهم النص، فمن حق المسلمين أن يجتهدوا في فقه النص وليس أدل علي ذلك، مما تحدث مع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال لهم في محاربة يهود بني قريظة «لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة، وأدركتهم صلاة العصر، فبعضهم صلى في الطريق على اعتبار أن ما قاله الرسول يهدف إلى العجلة والسرعة وصلى البعض الآخر عندما وصلوا إلى بني قريظة وأخذوا بظاهر النص وقد أقر الرسول الكريم كلاً على ما فعله.

ويوضح الدكتور زكي: أن مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه كانت بداية الفرقة وظهور ما يسمى الاختلافات المذهبية ثم ظهرت مذهبيات أخرى غير سياسية فكانت الفرق الإسلامية، والتي اهتمت بعلم الكلام أكثر من علم الفقه، ثم توالت المذهبيات بعد ذلك ليزيد انتشارها وتتفاقم يوماً بعد آخر ويزداد خطرها بعد أن اتخذ البعض من مذهبه دينا وحاربوا الاجتهاد، والحقيقة أن المذهبية ليست من الدين ولو كانت من الدين لظهرت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويوضح المفكر الإسلامي د. مصطفى الشكعة أن المذاهب أدت إلى فرقة المسلمين عندما تعصب كل فريق لمذهبه ولجماعته، فقاتل المسلم أخاه المسلم، مما أضعف دولة الإسلام ولعل ضياع الأندلس كان ناتجا لهذه الفرقة في المذاهب، ضاعت الأندلس التي فتحها المسلمون وصارت أرضا إسلامية لمدة ثمانية قرون.

ولا شك أن انتشار المذاهب أدى إلى الضعف والوهن، مما سهل على أعداء الإسلام احتلال الأراضي الإسلامية، فكما ضاعت الأندلس ضاعت من نصف قرن من الزمان فلسطين وطرد العرب من ديارهم، وها نحن اليوم أمام احتلال العراق ولقد استفاد أعداء الأمة كثيراً من فرقة المسلمين وانقسامهم فسعت للتحريض لزيادة التناحر والشقاق بينها.

يؤكد د.يوسف القرضاوي المفكر الإسلامي أن من أشد وأخطر آثار الفرقة هو تكفير البعض لإخوانهم المسلمين وهذا بلا شك يدمر بنيان العلاقة والترابط بين المسلمين، وقد حذرت السنة النبوية أبلغ التحذير من اتهام المسلمين بالكفر في الحديث الشريف إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه.

وقصة أسامة بن يزيد مع الرجل، الذي قتله في المعركة بعد أن قال «لا إله إلا الله، فلما سأله عن ذلك رسول الله، فقال: قالها خوفاً من السيف فأنكر عليه رسول الله ما فعل قائلاً له: «هل شققت عن قلبه»؟

وفي الحديث أيضا «كفوا عن أهل لا إله إلا الله لا تكفروهم بذنب فمن كفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب»، وقال جماعة من علماء الإسلام أنه لا يكفر المسلم بما يبدر منه من ألفاظ الكفر إلا أن يعلم المتلفظ أنها كفر، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي يتنازع فيها أهل القبلة.

ويضيف القرضاوي: إن المذاهب ليس وليدة اليوم ولكنها كانت متواجدة في العقول منذ قرون وإذا اختلفت في المذاهب، فيجب علينا الاتحاد والتضامن لمواجهة الخطر، الذي يهدد الأمة ويجب على أصحاب المذاهب أن يبدأو في الحوار حتى يتم توحيد الأمة.

ويشير د.طلعت محمد عفيفي عميد كلية الدعوة السابق بجامعة الأزهر إلى مساوئ الفرقة بأنها تبديد للجهود وبعثرة للقوى والأمثلة في ذلك كثيرة، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، واللبنة الواحدة ضعيفة أما إذا جمعت ونظمت فإنها تصبح قوة وكذلك الخيط نراه ضعيفاً، أما إذا تجمعت الخيوط سارت قوة وحبالا.

وقال إن انقسام المسلمين أدى إلى ضياع الجهود، فكان الكثير من الجهود التي تبذل هنا وهناك ولا أثر لها وإن كان لها أثر فهو ضئيل، لأنها لا تتلاقى ولا تتجمع، الذي ينظر إلى واقع الأمة يجد أنها كالآلة الجبارة ولكنها للأسف مفككة وبعيد كل جزء منها عن الآخر، يعمل بمفرده دون غيره فلا جدوى ولا فائدة مرجوة إلا إذا تكاملت كل أجزاء هذه الآلة فتعمل وتنتج.

كما أن الفرقة ضعف وهوان فما وهنت هذه الأمة وما ضعفت إلا عندما تفرقت وانقسمت على نفسها، وتعصبت كل جماعة لمذهبها وهذا على النقيض تماماً من حال هذه الأمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي كانت أكثر قوة وذلك للترابط والوحدة وعدم الفرقة والاختلاف فكان صلى الله عليه وسلم يدعو أصحابه دائما إلى الوحدة والتآلف.

فكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار والصلح بين الأوس والخزرج أول ما قام به في المدينة المنورة عند تأسيس الدولة الإسلامية وربط جميع المسلمين برباط الأخوة في الدين وهو أقوى من رباط القرابة وصلة الدم. ويقول الرسول الكريم «إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا».

ويقول د. محمد المختار المهدي الرئيس العام للجمعيات الشرعية: على جميع المسلمين أن يستشعروا الخطر، الذي يعصف بالأمة وفي الوقت الذي تتباعد فيه الأمة الإسلامية ويزداد تفرقها نجد الآخرين يتقاربون ويتعاونون ليكونوا قوة كبيرة والإسلام يأمرنا بالوحدة والألفة ويحذرنا من الفرقة والاختلاف.

فيقول ربنا سبحانه وتعالى في كتابه العزيز «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» والوحدة في الإسلام مبنية على التوحد والرسول صلى الله عليه وسلم وضح لنا من تعتبره مسلماً ومن غير المسلم، فيقول صلى الله عليه وسلم» من أقر بالتوحيد وأكل ذبيحتنا وصلى إلى قبلتنا فهو في ملة الإسلام، أي أنه من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله واتجه إلى القبلة وأكل من ذبيحتنا فهو مسلم وله حق الأخوة والنصر.

وأضاف: الحمد لله فغالبية المذاهب تلتقي على التوحيد، ومن ثم نقول نحن جميعا مسلمون رغم اختلاف المذاهب فنتفق في الأصول وقد نختلف في الفروع، فيجب أن نتعاون وكما قال الإمام محمد رشيد رضا نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه،ويجب أن تكون هناك لجان علمية تبحث ما اختلفنا فيه ويخضع الجميع لرأي هذه اللجان في نهاية الأمر.

ويضيف: الواقع يفرض على الأمة الإسلامية بكل طوائفها ومذاهبها التقارب والتعاون ونبذ الخلافات حتى تستطيع مواجهة أعدائها، الذين يدبرون لها المكائد ليل نهار، وعلى كل مسلم ومسلمة أن يبتعدوا عن العصبية المذهبية، لأنها خطر كبير أضعف الأمة الإسلامية وليتذكروا أن الوحدة في الإسلام أساسها التوحيد وأنه لولا وحدة الأنصار والمهاجرين ما كان هناك أمل في قيام دولة الإسلام.

Email