قصة إنسانية

لحظة ضعف

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تخرجت من الجامعة تم تعيينها مباشرة في إحدى المدارس الثانوية فقد كانت (س) متفوقة في دراستها إضافة إلى أن تخصصها كان نادراً لذا تم تعيينها في تلك المدرسة التي كان يدرس بها الرجال والنساء معاً (مدرسة مختلطة) خلال فترة وجودها لفتت انتباه معظم زملائها من المدرسين فقد كانت جميلة الوجه أنيقة المظهر جادة في عملها، احترمها الجميع دون استثناء إلا (أ) الذي كان يحبها من كل قلبه ويأمل ان تكون زوجته في يوم من الأيام.

يتقدم لخطبتها

حاول (أ) لفت انتباه (س) إليه إلا انه لم يفلح فقد كانت إنسانة ملتزمة وجادة رغم صغر سنها لذا لم يجد (أ) بداً من الذهاب إلى أهلها وطلب يدها رسمياً وهكذا تمت الخطوبة ومعها تم تحديد الزواج على أن يكون في إجازة الصيف. كان (أ) يحب (س) حباً شديداً لذا كان يعد الأيام والليالي للاقتران بها، في الإجازة الصيفية تم عقد الزواج وبعد شهرين عاد الزوجان إلى مقر عملهما كانت عودة الزوجين عن طريق البر

فحدث أن (أ) كان يقود سيارته في الاتجاه الصحيح حين خرجت عليه شاحنة من الجهة المقابلة واصطدمت بسيارته ثم نقل (أ) و (س) إلى أحد مستشفيات الدولة التي وقع فيها الحادث لكن (أ) مات قبل أن يصل إلى المستشفى وذلك بسبب كثرة الدماء التي نزفها، فقد أخذ وصول سيارة الإسعاف إليه ونقله إلى المستشفى وقتا طويلا،

أما (س) فقد تعافت وعادت إلى عملها في المدرسة من جديد، خلال تلك الفترة بدأت تظهر على (س) عوارض الحمل فوجدت في هذا الحمل سلوى لها وعوضا عن زوجها الذي مات، خلال وجودها في المدرسة تقدم بعض الزملاء إلى طلب يدها لكنها كانت ترفض ذلك فقد وهبت (س) نفسها لطفلها القادم

فهي لا تريد له أن يعيش في بيت رجل غريب قد يسبب له المشاكل بعد فترة الحمل أنجبت (س) طفلاً سعدت به كثيرا فقد عوضها الله به عن زوجها فقد كانت ترى صورة زوجها في وجهه حيث أطلقت عليه اسم (م) استطاع (م) أن ينسي والدته الدنيا بأكملها، فقد تفرغت لتربيته، وعندما بدأ يكبر أدخلته أفضل المدارس وبصفتها مدرسة كانت تتابع معه كل دروسه حتى أصبح (م) مثالاً رائعا للطالب المجد.

كبر (م) ودخل المرحلة الثانوية وكانت أمه معه خطوة بخطوة فقد كانت تذاكر له دروسه وتقدم له كل مساعدة يريدها فقد كانت تريده أن يحصل على مجموع عالٍ من العلامات ليتخصص في الطب البشري في إحدى الجامعات الأميركية، فقد تمكنت خلال سنوات عملها أن تجمع مبلغاً كبيراً من المال للإنفاق عليه.

التحضير للثانوية العامة

بدأت (س) تعد نفسها لهذا الحدث الذي سيقرر مصير ابنها فالجامعات الأميركية تحتاج إلى ما يسمى (بالتوفيل) إضافة إلى معدل مرتفع في الأحياء والرياضيات إذا كان الطالب يريد أن يدرس الطب لذا كان الاستعداد كبيراً ويتناسب مع الحدث نفسه كان لـ (م) صديقاً يسمى (ب) وكان هذا الصديق مرتبطاً جداً بـ (م) وكثيراً ما كان (ب)

يأتي إلى بيت صديقه ويذاكر معه، وعندما كان يأتي في بعض الأحيان ولم يجد (م) كانت والدة (م) تفتح له باب بيتها وتدخله إلى غرفة ابنها فقد كانت تعامل (ب) بنفس الطريقة التي كانت تعامل به ابنها حيث كان (م) و (ب) في نفس العمر، تكررت زيارات (ب) إلى بيت صديقه وفي كثير من الأحيان كان ينام عنده في البيت وكانت السيدة (س) تقوم على خدمته وتهيئ له الجو المناسب للمذاكرة، الا أن (س)

لاحظت بان (ب) يحاول التقرب منها ويعاملها معاملة خاصة، فعزت ذلك إلى اهتمامها به لأنه صديق ابنها إلا أنها تفاجأت في أحد الأيام برسالة على هاتفها النقال من (ب) يقول فيها انه يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها، لم تعر (س) هذه الرسالة أي اهتمام فهي تعرف أن الشباب في هذه الفترة يكونوا غير قادرين على تحديد مشاعرهم

في الوقت نفسه بدأت تفكر في أن تخفف من اهتمامها بـ (ب) بل إنها ذهبت لأبعد من هذا وهو منعه من دخول بيتها لكنها فكرت في أن ذلك قد يلفت انتباه ابنها وقد تتطور الأمور لأي سبب ويؤثر ذلك على تحصيل ابنها الدراسي لذا بقيت صامتة، وحاولت تتجنب صديق ابنها عندما يأتي إلى بيتها إلا أن (ب) أخذ يدخل إلى مطبخ البيت وإلى غرفة نومها محاولاً البحث عنها، خافت (س) أن تؤدي تلك التصرفات إلى لفت انتباه ابنها، لذا قررت أن تفاتح (ب) بعيداً عن البيت،

وفعلاً اتصلت به وطلبت منه أن تراه في سيارتها أخذت (س) صديق ابنها في رحلة قصيرة في السيارة أفهمته خلالها أنها سيدة محترمة وأنها لا تفكر إلا في ابنها ومستقبله والأهم من هذا كله أن (ب) في نفس عمر ابنها فلو أرادت أن تفكر بأي أحد فلن يكون هو، نزلت هذه الكلمات كالصاعقة على رأس (ب) الذي قرر عدم الذهاب إلى بيت صديقه، لكن هذا القرار لم يصمد طويلاً فقد اشتاق (ب) إلى رؤية (س)، لذا ذهب إلى زيارة صديقه وكله شوق في أن يرى (حبيبته) التي لم يستطع نسيانها رغم الكلام الذي قالته له في السيارة.

تصرفات غير منطقية

بدأت تصرفات (ب) تأخذ طابعاً غريباً، فعندما كانت (س) تدخل إلى غرفة ابنها لتقديم الشاي والطعام له ولصديقه كان (ب) يحاول أن يقترب منها أو يلمس يدها، لاحظ الابن ما يحاول صديقه أن يفعله مع أمه لكنه ظن أن الأمر عادي لأن فارق العمر بينهما كبير، صحيح أن (س) لا تزال تحتفظ بشبابها وجمالها إلا أن ذلك لن يكون سبباً لـ (ب) كي يفكر بها ثم إنها والدة صديقه،

لذا طرد (م) كل هذه الأفكار السيئة من مخيلته فهو يعرف أمه جيداً وإذا كانت تفكر في رجل فإنها بالتأكيد لن تفكر أبداً في (ب) ثم إنها لو كانت تريد رجلاً فلماذا لم تفكر به في شبابها لذا طرد (م) من خاطره هذه الأفكار مجدداً وعاد إلى نفسه ليحثها على الدراسة والتحصيل العلمي، في أحد الأيام ضاع الهاتف النقال الخاص بـ (م)

لذا اضطر أن يأخذ هاتف والدته ومن قبيل التسلية فقط بدأ يقرأ الرسائل التي وصلتها على هاتفها حتى وصل إلى الرسالة التي كان (ب) قد بعث بها إليها قرأ (م) الرسالة عدة مرات وهو لا يصدق ما يقرأ وهنا بدأ الشك يدخل إلى قلبه، بدأ (م) يراقب تصرفات (ب) عندما يأتي لزيارته فلاحظ شيئاً غريباً وهو أن أمه تضع مكياجاً على وجهها وكأنها تستعد للقاء حبيب كما لاحظ أيضاً أن أمه بدأت تطيل الجلوس معهم،

بدأت الدماء تغلي في رأس (م) الذي قرر قتل أمه وقتل صديقه معاً لكن (م) أراد أن يتأكد ان كان هناك علاقة بين أمه وصديقه فكر طويلاً وأخيراً قرر أن يركب كاميرات في البيت، إلا أنه لم يتمكن من ذلك وأخيراً جاء الحل فقد كان يشاهد التلفاز الذي كان يعرض فيلماً مكسيكياً فقد شاهد أسرة تجلس في حديقة عامة وأمامها طاولة عليها الطعام وفي أثناء تناول الطعام كان خطيب إحدى بنات الأسرة يجلس مقابلاً لخطيبته فقام بمد قدمه وبدأ يعبث بقدم خطيبته دون أن يلاحظ أحداً ذلك لذا قرر (م) أن ينفذ الفكرة فقد نسي دراسته ومستقبله

وأصبح همه الآن التأكد إن كانت أمه بريئة أم لا في يوم الإجازة طلب (م) من أمه أن تعد له ولصديقه ولها طعام الغداء حيث سيذهبون لتناول الطعام في إحدى الحدائق كان (م) قد أعد طاولة وشرشفاً ليغطيها به وفي أثناء تناول الطعام قام (م) بالجلوس إلى جانب صديقه فيما كانت الأم تجلس مقابلة لهما بعد فترة مد (م) قدمه باتجاه قدم أمه

وبدأ يعبث بها لم تحاول الأم إبعاد قدمها مما دفعه لأن يتمادى في ذلك حيث وضع قدمه على مكان حساس من جسدها دون أن تبدي أي اعتراض وذلك ظناً منها أن هذه القدم هي قدم (ب) وليست قدم ابنها، لكن المفاجأة التي أذهلتها وطارت بعقلها هو أنه في هذا الوقت قام (ب) عن الطاولة وذهب ليحضر مشروباً غازياً عندها أحست بأن هذه القدم التي تداعبها وتعبث بمكان حساس من جسدها ليست قدم (ب)

وإنما قدم ابنها لأن (ب) عندما ذهب لإحضار المشروبات الغازية وابتعد عن الطاولة بقيت القدم تلامس جسم (س) ولم يكن على الجهة الأخرى سوى ابنها، قامت (س) من فورها وصفعت ابنها على وجهه عدة مرات دون أن تتكلم ودون أن يتكلم هو الآخر، وهكذا تأكد (م) بأن هناك علاقة خاصة بين أمه وصديقه.

تنفيذ الخطة

بدأ (م) تركيزه على تنفيذ خطة قتل صديقه وبعد ذلك قتل أمه في هذا الوقت حاولت الأم إفهام ابنها بأنه ليس هناك علاقة سيئة بينها وبين (ب) وبدأت تذكر (م) كيف ضحت بشبابها وبكل الرجال الذين جاءوا للزواج منها وكيف رفضتهم من أجله إلا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً فقد قال لها ليتك تزوجت برجل ما ولكن تخونيني مع صديقي فذلك لا أستطيع تحمله.

من جانبه لم يعرف (ب) ماذا حدث بالضبط بين (م) وأمه ولكنه لاحظ أن هناك شيئاً غير طبيعي، في أحد الأيام اتصل (م) بـ (ب) وطلب منه أن يذهب معه إلى البحر استجاب الصديق لدعوة (م) وهناك في مكان منعزل وبعيد عن الناس بينما كان (ب) جالساً على صخرة بعد أن أنهى السباحة في الماء باغته صديقه من الخلف ولف حول عنقه (خيط نايلون) وبدأ يضغط على الرقبة،

حاول (ب) أن يقاوم ولكن خيط النايلون كان قد اخترق جلدة رقبته وأنهى حياته ولكي تظهر الوفاة طبيعية قام (م) بإلقاء الجثة في البحر باعتبار أنه مات غرقاً، عاد (م) إلى البيت فأخبر أمه بما فعل فانهارت ساقطة على الأرض من خوفها على ابنها، بعد أن عادت (س) إلى حالتها الطبيعية طلبت من ابنها أن يعد نفسه للسفر حتى لا يقع في يد العدالة في هذا الوقت كان أحد الأشخاص قد لاحظ جثة طافية على الماء، حيث اتصل برجال الشرطة الذين حضروا على الفور وسحبوا الجثة وأودعوها في أحد المستشفيات.

في هذه الأثناء بدأت أسرة (ب) تبحث عنه في كل مكان، وعند جميع الأصدقاء، لكنها لم تعثر عليه حتى (م) عندما سألوه عن (ب) أنكر معرفته أين هو، قام والد (ب) بإبلاغ الشرطة قائلاً لهم إن ابنه أخبره بأنه سيذهب إلى البحر مع صديقه (م)

وهنا طلب الضابط من والد (ب) أن يأتي معه إلى المستشفى، حيث وجدت الشرطة جثة طافية على الماء، قد يكون ابنه، من النظرة الأولى تأكد والد (ب) بأن هذا الشخص هو ابنه، وعندما سأل الشرطي عن كيفية موته، أخبره بأن تقرير المختبر الجنائي يقول بأنه مات مخنوقاً بحبل قوي،

وإن آثار الحبل واضحة على عنقه، فما كان من والد (ب) إلا أن اتهم (م) بقتله، على إثر هذا الاتهام توجهت الشرطة إلى بيت (م) حيث وجدته هو وأمه يجهزان نفسيهما للسفر، في غرفة التحقيق أنكر (م) علاقته بقتل (ب)، وقال إنه كان ينوي الذهاب معه إلى البحر،

لكنه غير فكرته في آخر لحظة لأنه يريد أن يسافر لظروف طارئة، عندما وجهت الشرطة له سؤالاً عن رغبته في السفر رغم أن هذا الوقت ليس وقت الإجازة الصيفية، لم يستطع (م) أن يجد مبرراً منطقياً، لكنه قال إنه على خلاف مع أمه وأنه يريد أن (يغير جو) لم يقتنع ضابط التحقيق بذلك، فقد كان (م) يستعد للسفر مع أمه،

وكانت الحقائب الخاصة بها موجودة أمام البيت، ثم إن والد (ب) أكد للشرطة أن ابنه ذهب مع صديقه (م) وأنه يتهم (م) بقتله، لكن (م) أنكر علاقته بذلك، رغم تأكيده بأنه كان قد اتفق معه فعلاً بأن يذهبا إلى البحر، إلا أنه اعتذر له في آخر لحظة.

هنا كان لابد من عرض (م) على جهاز كشف الكذب، حيث يتبين أن المعلومات التي أعطاها للشرطة معلومات خاطئة وأنه يكذب، هنا تمت مواجهة (م) بالنتائج التي أشار إليها جهاز كشف الكذب، وان ليس أمامه مجال للهرب من جريمته، عندها اعترف (م) بأنه هو الذي خطط ونفذ قتل صديقه (ب) لأنه على علاقة غير شريفة مع أمه،

وأخبر الضابط كيف اكتشف أن هناك علاقة بين (س) و(ب) وأضاف (م) بأنه لو أتيحت له الفرصة مرة ثانية فإنه سيقتل (ب) الذي خانه مع أعز الناس إلى نفسه، كان هذا الاعتراف كافياً لإحالة (م) إلى المحكمة للقصاص منه، في الوقت نفسه تم استدعاء (س) للتحقيق معها ومعرفة إن كان لها علاقة خاطئة مع (ب) أم لا.

في أثناء التحقيق معها قالت (س) إن علاقتها مع (ب) لا تعدو كونها علاقة عادية بصفته صديق ابنها، إلا أن الضابط صارحها بما قاله ابنها والطريقة التي اكتشف بها تلك العلاقة عن طريق (قدمه) عندها اضطرت (س) لأن تقول وهي منهارة من البكاء بأن (ب) طاردها من كل جانب وحاولت الهروب منه

إلا أنها في النهاية لم تتمكن فقد كانت تحتاج إلى رجل يكون في حياتها وفجأة وجدت (ب) معها بصفة شبه دائمة في البيت، وعندما حاول أن يغريها بعلاقة محرمة رفضت ذلك وهنا عرض أن يتزوجها لكنها رفضت أيضاً لكنها في لحظة ضعف وافقت وتحت تأثير محاولاته المستمرة وافقت أن تتزوجه على أن يبقى هذا الزواج سراً من ناحية،

ومن ناحية ثانية ألا يزورها في البيت حتى لا يشكل ذلك انفضاحاً لابنها وعندما وافق (ب) على ذلك تم الزواج، بعد أن تأكد الضابط من صحة أقوالها من خلال قسيمة الزواج والشهود سمح لها بالانصراف، لكنها قبل أن تنصرف طلبت منه أن ترى ابنها جاء الابن وهو شبه محطم أما هي فلم تكد تراه من الدموع التي كانت تملأ عينيها اقتربت منه وحضنته وهي تقول كم اشتاق إليك وكم سأفتقدك،

وبيد مرتعشة أخرجت قسيمة الزواج وقدمتها إلى ابنها قائلة أنا كنت إنسانة شريفة وسأبقى كذلك لكن خطئي أنني بشر والبشر لهم أخطاء وهفوات، ففي لحظة ضعف ندمت عليها كثيراً فيما بعد رضيت أن أتزوج بصديقك أرجوك سامحني .. أمسك (م) بعقد الزواج وعندما تأكد منه نظر والدموع في عينيه وقال لماذا لم تخبريني لو أنك أخبرتني فقد اغضب يوما أو أسبوعا لكنني لن أكون قاتلاً، سقط (م) على الأرض وهو يقول سامحيني يا أمي فقد حرمتك من حق هو لك، فيما كانت الأم تحاول الكلام إلا أنها لم تستطع فكل ما قالته .. «لحظة ضعف ..لحظة ضعف وغابت عن الوعي».

إعداد: أحمد سلطان

Email