التعصب أساس الجهل (1ـ 2)

التعصب أساس الجهل (1ـ 2)

ت + ت - الحجم الطبيعي

خطرالتعصب الذي يدعواليه اصحابه غالباالى الانتصار والتفاخر بالرأي لاريب سيؤدي في نهايةالامرالى نتيجةعكسية هل الإنسان على وجه الأرض بقدراته وملكاته الفطرية والمكتسبة من خلال واقع حياته وعلمه يتطلع دائما أن يحيط بكل شيء علما؟ كلا... وهل كل آراء البشر سواء أكانوا من العقلاء أو غير ذلك مسلمين أو من أهل ديانة سواء أكانت سماوية أو أرضية تستطيع أن ترشد إلى الصواب ونقاء الكلمة والفكرة من الانحراف؟

كلا... وهل كل من قال قول صدق ووفق في ذلك إلا (الأنبياء عليهم السلام) كلا... فمن ظن أنه يحيط بكل شيء علما وكل آرائه توجه إلى الحقيقة والصواب... فهو على خلاف ذلك فجهله بالأشياء أكثر من علمه بها فعلم الإنسان محدود ولم يؤت من العلم إلا الشيء القليل «وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً» «الإسراء/85» وإذا ظن الظان أيضا أنه على هدى فهو في قمة الجهل نعم هذا هو التعصب المرير الذي أهلك الأمم السابقة بسبب متابعة ما يملى عليها من عادات الآباء والأجداد الذين كانوا في قمة التعصب كان بعضهم ينتصرون لآرائهم الفردية،

والبعض الآخر يقدسون أقوالهم الشخصية وعن هذا التعصب الكريه يقول المفكر الإسلامي الشيخ محمد الغزالي (ت 1996 م) في كتابه «الحق المر» في ذلك ( ان يجمد المرء المسلم وغيره على فكرة وصلت إليه بطريقة ما فلا يقبل لها مناقشة، ويرفض أن ينظر في أي رأى آخر يعرض عليه، بل إنه قد يعجز عن استبانة الرأي الآخر وما قد يكون فيه صواب أو خطأ، لأن عقله استغلق. فلا يتحمل جديدا ولا مزيدا من الكلام).

إن خطر التعصب الذي يدعو إليه أصحابه غالبا إلى الانتصار والتفاخر بالرأي فطريقة الأخذ بذلك النهج المعوج لا ريب أنه سيؤدي في نهاية الأمر إلى نتيجة عكسية لا يحمد على عاقبتها ولا يعرف منتهاها وأحداث ذلك كثيرة على المحافل الدولية فالتقليد الأعمى للاباء ومتابعة بعض الأعراف ومسايرة العوام تعتبر من أشد العقبات في العصر الحديث فتقف حجر عثرة في وجوه المصلحين وحسبنا أن الله تعالى قد حذرنا من هذا الداء الخطير وشره المستطير فقد قص علينا في كتابه العزيز قصص المجادلين عن الحقيقة ووصفهم بعدة صفات منها العمي والبكم وليس لهم عقل يتدبرون به لحقيقة الأشياء وغيرها من الصفات فهم يجادلون في الحقيقة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير،

فالذي يتعصب إلى آراء آلت إليه من مواريث فكرية قديمة كانت أو جديدة دون تمحيص خطأها من صوابها ويكتفي بالقول أن هذه الأقوال صدرت من مصادر موثوقة لا جدال فيها ولا اعتراض ولا مجال أيضا في التشكيك في أقوالها وما تفرزه من آراء. فهذا عين التعصب والجهل الذي أمرنا بهجر طريقه «وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ» «الزخرف24/24» فكيف تصلح أحوال المجتمعات البشرية ويستقيم أفرادها من الاعوجاج ويهتدوا إلى طريق مستقيم ؟..

بهذا المسلك الذي انحرف عن الفكر الصحيح الذي يسعى إلى غربلة الأفكار التقليدية التي لا تجدي نفعا للأفراد ولا لمجتمعهم سواء أكانوا على دين سماوي أو غيره ولا تستطيع هذه الأفكار أيضا أن تقاوم وتصد الرياح العاتية التي تقضى على الأخضر واليابس فتكون في حيرة من أمرها عندما تأتي الفكر المستنير ويحمل في طياته نور العلم والهداية، فالعقلاء من البشر ينادون بضرورة محاربة الأفكار التقليدية التي تعتبر أحد الأسباب التي تؤدي إلى هلاك الأمم وتأخر أفرادها عن مواكبة الأحداث المتجددة.

إن دين الإسلام الخالد جاء برسالة التنوير (والتحرير الفكري والانطلاق الشعوري لا تقرر هذا التقليد المزري، ولا تقر محاكاة الآباء والأجداد اعتزازا بالإثم والهوى فلا بد من سند حقيقي، ولابد من حجة دامغة، ولا بد من تدبر وتفكير قويم، ثم اختيار مبني على الإدراك واليقين) الذي يوصل إلى الحقيقة من خلال استنباط الآراء التي تخرج بنتائج طيبة وأفكار قويمة من شانها أن تسعد المجتمع الإسلامي وغيره وتقوده إلى السعادة والرقي المادي والمعنوي.

لقد ساد في الأمة الإسلامية المعاصرة وسرى في عروقها أحوال كثيرة وقضايا مريرة وضعتها في مؤخرة قافلة الأمم المتحضرة التي تباهي بمقوماتها المادية العالم اجمع من هذه المقومات السيطرة الكاملة على الصناعة المختلفة والتجارة العالمية فالعالم الإسلامي مصاب بحالة من الركود الاقتصادي والعلمي والفكري لأسباب عدة منها عدم التخطيط السليم والتنفيذ الأمين للبنية التحتية لمقومات المجتمع وكذلك نتيجة التعصب للآراء والمبادئ الشخصية أو المذهبية فأخذ كل فريق ينتصر لأقوال علمائه ورجال فكره ومما يزيد الطين بلة والأمر سوءا أن هؤلاء يتكلمون باسم الإسلام والمسلمين

فهذا الطريق الذي سلكه هؤلاء لا يستقيم له حال ولا يهدأ له بال علماء المسلمين في كثير في العالم الإسلامي وغيره فمن المهم جدا الرجوع إلى أقوالهم المواكبة للحق واليقين، أما إن يقتصر بعضنا على الأخذ من طرف واحد ولا يقبل الأخذ من عند الآخرين فهذا مرفوض إسلاميا وعقليا، وآيات القرآن كثيرة جدا توبخ المقلدين على الطريقة المعوجة «وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ» «البقرة170/171».

بقلم: إبراهيم بن حبيب

الكروان السعدي

Email