لماذا شرع الله الحج ؟

لماذا شرع الله الحج ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكبر عيد تبدو فيه الأمة المؤمنة مجتمعة متلاقية هو عيد الحج الأكبر الذي يمثل المؤتمر الإسلامي الأعظم، حيث تخرج الألوف بعد الألوف، من مشارق الأرض ومغاربها، ساعين إلى ربّهم، متحمّلين وَعثاء السفر ومشقّات الرحلة؛ ليتلاقَوا فيتعارَفُوا ويتآلَفوا، ويتدارَسُوا ويتباحثوا، ويطلبوا الحلول لمشكلاتهم المختلفة، وليشهدوا منافع لهم، وليذكروا اسم الله في أيام معدودات، وليوفوا نذورهم، وليطّوّفوا بالبيت العتيق أول بيت وضع للناس...

وقد شرع الله الحجّ ليكون رحلة خالصة مخلصة لوجهه وفي سبيله، تتوافر فيها رياضة الحسّ والوجدان، وحمل النفس على التجرُّد من زينة الحياة، والإقبال بها على طاعة الرحمن؛ ولذلك كان في الحج انتقال وارتحال، وإعداد للزاد، واحتمال لمشاقِّ السفر وتغير الأجواء، وتجرد من متاع الحياة، حتى في الثياب المألوفة والملابس المعروفة، وإقبال على الله بالحسّ والنفس، والعمل والقول، والذكر والفكر، فشعار المسلم منذ إحرامه هو نداؤه ودعاؤه: «لَبّيكَ اللهمّ لَبيْكَ، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».

ولذلك كان من أول ما يلزم للحجِّ هو النيّة الطاهرة الصادقة التي يعزم فيها المسلم على الرحيل إلى ربه بنفس مؤمنة، وذات تائبة، وهمّة معرضة عن الشهوات والملذات، مقبلة على الطاعات والقربات؛ لأنه سيحل ضيفًا على ربه عزّ وجلّ، حول بيته الذي جعله الله مباركًا وهدى للعالمين.

وبيت الله كما علَّمنا الإسلام يحتاج في زيارته إلى طهارة المظهر والمخبر، وقد روى الإمام القرطبي عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أوحى إليَّ: يا أخا المنذرين، يا أخا المرسلين، أنذر قومك ألا يدخلوا بيتًا من بيوتي إلا بقلوب سليمة، وألسنة صادقة، وأيدٍ نقية، وفروج طاهرة، وألا يدخلوا بيتًا من بيوتي ما دام لأحد عندهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائمًا بين يديّ، حتى يردّ تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيّين والصديقين، والشهداء والصالحين».

وإذا كان هذا يقال في حق أي بيت من بيوت الله، فكيف بالبيت الحرام الذي يقول فيه بديع السماوات والأرض: (وإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثابَةً للنّاسِ وأَمْنًا واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى وعَهِدْنا إِلَى إِبْراهِيمَ وإسماعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ للطّائِفينَ والعَاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة: 125).

ويقول تبارك وتعالى: (جَعَلَ اللهُ الكَعْبةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيامًا للنّاسِ والشَّهْرَ الحَرَامَ والهَدْيَ والقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَواتِ ومَا فِي الأَرْضِ وأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليمٌ) (المائدة: 97).

كما شرع الله الحجَّ ليعلم عباده كيف يترفَّعون عن الأحقاد والأضغان، ويتناسَون الشحناء والبغضاء، ويزهقون رُوح الخصومة والمعاداة؛ ولذلك جعل الله موسم الحج فرصة للإخاء والصفاء، والتنزه عن الخلاف والاعتساف، حتى في الكلام والحوار، والتطهر من كل أسباب التمرد والانحراف؛ ولذلك يقول أصدق القائلين سبحانه: (الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعلوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ ولاَ فُسوقَ ولاَ جِدالَ فِي الحَجِّ ومَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْه اللهُ، وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوَى، واتَّقونِي يا أُولِي الألْبابِ) (البقرة: 197).

احمد عبد المجيد

Email