جمعيات النفع العام : أين القانون الجديد؟

جمعيات النفع العام : أين القانون الجديد؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مازالت 118 جمعية نفع عام في الدولة في انتظار صدور القانون الجديد الذي أعلنت عنه وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في بدايات العام الماضي ولم يصدر حتى الآن وحسبما كشف مصدر مسؤول في الوزارة فإن القانون الجديد مازال يراوح مكانه رغم التصريحات الصادرة من مسؤولين بالوزارة بقرب إحالته إلى مجلس الوزراء.

وأشار المصدر إلى أن قرار التقاعد الذي شمل 16 من كبار الموظفين ألقى بظلاله على عدم معرفة مصير القانون الجديد الذي كان قد تم إحالته للمكتب الفني بقطاع الشؤون الاجتماعية بالوزارة لدراسته تمهيدا لرفعه إلى لجنة التشريع والفتوى لأن القرار شمل بلال محمد مدير المكتب الفني بالوزارة وبالتالي -وحسب المصدر- فالقانون لا يعرف مصيره حتى ان إدارة جمعيات النفع العام ليست لديها معلومات كافية عنه.

وحسب آخر الإحصائيات التي أصدرتها الوزارة فقد بلغ عدد الجمعيات حتى نهاية العام الماضي 118 جمعية نفع عام منها 42 جمعية في أبوظبي و28 في دبي و19 في الشارقة و13 جمعية في رأس الخيمة و6 في الفجيرة و5 جمعيات نفع عام في كل من عجمان وأم القيوين.

وتحتل جمعيات الفنون بالدولة العدد الأكبر حيث يبلغ عددها 29 جمعية فيما يبلغ عدد جمعيات الخدمات العامة 23 جمعية والجمعيات المهنية 20 والجاليات 14 والخدمات الإنسانية 11 جمعية والجمعيات النسائية 9 والمسارح 9 والجمعيات الدينية 3 جمعيات نفع عام.

وفي الاتجاه ذاته نفت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن يكون هناك اتجاه لحل جمعيات النفع العام سواء الملتزمة أو غير الملتزمة بإرسال الحساب الختامي بشكل مستمر إلى الوزارة.وقال مسؤول أن الوزارة لن تلجأ إلى حل الجمعيات لعلاج القصور وإنما تسعى بكل جهدها لتقويم أداء الجمعيات المقصرة واتخاذ كافة الإجراءات لدعم مسيرة العمل التطوعي.

وأكد المسؤول أن إجراء تعديلات على قانون جمعيات النفع العام جاء نتيجة وعي الوزارة بأهمية دور الجمعيات التي يجب أن ينمو دورها بإيقاع سريع لمواجهة ومواكبة المستجدات على الساحة العالمية فيظل التسارع الاقتصادي الكبير خاصة أن قانون جمعيات النفع العام يعد أقدم القوانين بالدولة حيث صدر عام 1974 وتم إجراء التعديل عليه مرة واحدة فقط في الثمانينات لذلك فقد كانت هناك حاجة لقانون جديد لأن الوزارة تعول كثيرا على دور القطاع الأهلي وعلى أهمية العمل التطوعي في القطاع الاجتماعي لما له من أثر كبير في الحد من الظواهر السلبية المتنامية في المجتمع نتيجة التداخل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

ولم يشهد العام 2005 إشهار جمعيات نفع عام جديدة على الرغم من وجود عدد من الطلبات لإشهار جمعيات جديدة مازالت تحت الدراسة أو مؤجل البت فيها إلى حين صدور القانون الجديد.

وأوضح المصدر أن زيادة بند الإعانات المالية المخصصة للجمعيات مرتبط بموافقة وزارة المالية أما بالنسبة لجانب وزارة العمل فهناك العديد من المعايير لزيادة أو تخفيض الإعانة المالية عن كل جمعية بناء على حجم نشاطها وفعاليتها ولذلك قامت الوزارة بزيادة المخصصات المالية للعديد من الجمعيات نتيجة لتميزها في خدمة المجتمع وفي المقابل تم تخفيض مخصصات مالية لجمعيات أخرى نتيجة تقلص حجم نشاطها.

وتطالب جمعيات النفع العام بضرورة الإسراع في صدور القانون الجديد من أجل دعم الجمعيات واستعادة عافيتها حيث تشكو من عدم فاعلية أعضائها وعزوفهم عن المشاركة في أنشطتها بسبب قصور القانون الذي يحد من حركتها للقيام بالمزيد من الخدمات لأعضائها لذلك فالمطالبة بأن يكون القانون الجديد يحقق انطلاقة جديدة للجمعيات النفع العام وعاملا مساعدا للتواصل مع أفراد المجتمع وأن تكون العضوية إلزامية خاصة بالنسبة للجمعيات الفئوية.

وكما يشرح الدكتور محمد عبدالله الركن الخبير القانوني ونائب رئيس الاتحاد الدولي للمحاماة فان قانون جمعيات النفع العام صدر عام 1974 ويعد من أقدم القوانين التي صدرت في الدولة وعدل مرة واحدة في الثمانينات، وهو بحاجة إلى تعديل جوهري كبير لتخفيف القيود الإدارية عليها التي ازدادت في السنوات الأخيرة، وازدادت معها التدخلات الإدارية في شؤون الجمعيات.

ويجب ان يمنح القانون الجديد حرية اكبر للجمعيات للقيام بأنشطتها دون الحاجة إلى اذن مسبق او وصاية عليها من قبل أجهزة إدارية، والمشاركة في صقل الخبرات ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى العربي والدولي. إضافة إلى فتح المجال للجمعيات فيما يخص أموالها بحيث تستطيع ان تقبل هدايا ومعونات تمكنها من القيام بأنشطة تدر عليها نوعا من الدخل.

ولا بد أيضا من تعديل القانون من تحويل الجمعيات المهنية التي تنظم شؤون بعض المهن كالأطباء والمحامين والمهندسين والمعلمين إلى كيانات فاعلة تكون العضوية فيها إلزامية، وتمنح صلاحيات الدفاع عن حقوق ومصالح أبناء المهنة الواحدة بل، وتنظم شؤون هذه المهنة أيضاً.

ويقترح الدكتور الركن أيضا فتح باب العضوية فيها للطلاب الذين لا يزالون على مقاعد الدراسة، بالإضافة إلى تحقيق مسائل معينة مثل التفرغ للعمل فيها، لأن التجارب أوضحت ان التفرغ للعمل في هذه الجمعيات يؤدي إلى نوع من البذل الكبير، وتجويد العمل فيها أسوة ببعض الدول التي تفرغ موظفين حكوميين للعمل مع احتساب عملهم هذا من مدة خدمتهم الوظيفية.

وأضاف: ان الدخول في جمعيات النفع العام يقتضي الوعي الكبير بأهمية العمل فيه وأن يكون لنشاطها مردود على المرشح والأعضاء، ولذلك ونتيجة فقدان هاتين النقطتين يعزف كثير من الناس عن الدخول في عضوية جمعيات النفع العام، ويبقى عدد قليل يتداول مقاعد الجمعية ويمكن تحديد عدد محدد لمرات الدخول في مجلس الإدارة بحيث لا تزيد مدة عضوية مجلس الإدارة على ثماني سنوات.

وهذا بدوره يسمح بالتجدد الدائم للدماء في مجالس إدارة هذه الجمعيات. ويعتبر ان تمثيل هذه الجمعيات في المجالس الوطنية والهيئات المحلية المختلفة لا يحقق لها أهدافها وإنما تتحقق أهدافها عندما تشارك برأيها في التشريعات والقرارات التي تصدرها الجهات الحكومية.

ويطرح خبراء في مجال التطوع والعمل الخيري تساؤلاً حول جمعيات النفع العام وعملها «هل الأزمة في قلة الموارد فقط وراء انحسار دور العمل التطوعي بالدولة والعجز عن تفعيل نشاط جمعيات النفع العام في المجتمع.

واقع الحال يشير إلى تراجع الدور الاجتماعي للجمعيات خلال السنوات الأخيرة بعد عطاء ملحوظ ونشاط ملموس خلال فترة السبعينات وبدايات الثمانينات، وهو ما تؤكده الأرقام فهناك حاليا 118 جمعية لا يمارس النشاط منها سوى 45% والباقي تحول إلى مقار شبه مهجورة وشهدت تراجعا في عدد الأعضاء بنسبة كبيرة.

ورغم ما يقال عن قلة الموارد في الجمعيات إلا ان الإحصائيات الأخيرة تشير إلى ان إيرادات الجمعيات ذات النفع العام تقدر بنحو 430 مليوناً و759 ألف درهم فيما لا تتجاوز المصروفات 286 مليون درهم مما يشير إلى اتساع الفارق بين الإيرادات والمصروفات في الوقت الذي تطالب فيه الجمعيات بمزيد من المستحقات المالية للإنفاق على برامجها السنوية!

ومع ذلك فقد أبدى القطاع الخاص ورجال الأعمال الرغبة الأكيدة في الدعم والمساهمة خاصة ان هناك اتهاماً بعدم قيام القطاع الخاص بلعب دور فعال في دعم نشاط هذه الجمعيات والعمل التطوعي بشكل عام وخلال الفترة الأخيرة قامت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بحل العديد من الجمعيات لعدم وجود نشاط لها فيما يرى أعضاء ورؤساء إدارات بعض الجمعيات ان هناك تراجعا ملحوظا في الجمعيات المهنية فيما تسجل الجمعيات الدينية والخيرية حضورا كبيرا. وربما يرى البعض ان القانون الجديد المزمع إصداره يمكن من المساهمة في تغطية وحل المعوقات التي يواجهها العمل التطوعي ودور جمعيات النفع العام بالدولة.

وترصد تقارير وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التطور الذي طرأ على أداء الجمعيات منذ صدور قانون الجمعيات في عام 1974 حيث تم إشهار أكثر من 33 جمعية خلال العقد الأخير من القرن الماضي كما تتلقى الوزارة سنويا العديد من طلبات الإشهار التي لا تتم الموافقة عليها لعدم استكمالها لمسوغات الإشهار وتشير المعلومات إلى ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تلقت 68 طلب إشهار منذ عام 1995 وحتى عام 2002 وافقت على إشهار 31 جمعية من بينها بنسبة تصل إلى 46% من مجموع الطلبات التي تتلقاها.

وتواصل الوزارة دورها في دعم الجمعيات من خلال تقديم الاستشارات والأدلة الإرشادية والتواصل مع الجمعيات المختلفة لتفعيل دورها وإزالة العراقيل التي تعترض طريقها إلا ان العمل التطوعي أصبح يحتاج المزيد من الدعم المالي لتنفيذ البرامج ونشر التوعية والتثقيف بين أفراد المجتمع.

وهناك مشاريع لوضع آلية قادرة على تفعيل العمل التطوعي من خلال التركيز على التنشئة الاجتماعية منذ الصغر بهدف غرس تلك المبادئ في النشء منذ المراحل العمرية الأولى، إلا أن تنفيذها يحتاج إلى المزيد من التعاون والتكاتف مع الجهات المختصة ووسائل الإعلام لدوره المهم في بث برامج التوعية.

ويقدر إجمالي الدعم السنوي لجمعيات النفع العام بنحو 3 ملايين وخمسمئة ألف درهم، ويتم توزيع المساعدات وفقاً للضوابط التي حددها القانون، ويصل الحد الأعلى الذي تقدمه الوزارة إلى الجمعيات 400 ألف درهم وتحصل عليه في الغالب الجمعيات النسائية، بينما يصل الحد الأدنى إلى 40 ألف درهم.

مما يشير إلى اتساع الفارق بين المخصصات المالية التي تقدم للجمعيات. في الوقت نفسه توجد بعض الجمعيات ذات النفع العام على أهمية العمل التطوعي في المجتمع من خلال الجمعيات وخاصة في ظل الحياة المعقدة التي أصبح يعيشها كافة أفراد المجتمع نتيجة الانفتاح الاقتصادي وزيادة متطلبات الحياة التي دفعت الناس للبحث عن الطعام والشراب.

وقد بلغ عدد الأعضاء العاملين في الجمعيات ذات النفع العام 16 ألفاً و700 عضو عامل و18 ألفاً و805 أعضاء منتسبين وذلك في عام 1999. وقد ارتفع هذا العدد عام 2000 إلى 18 ألفاً و829 عضوا عاملا وبزيادة مقدارها 12% على عام 1999 كذلك ارتفع عدد الأعضاء المنتسبين إلى 12 ألفاً و849 عضوا منتسبا بزيادة 8% ليصل إجمالي عدد الأعضاء إلى 32 ألفاً و50 عضواً إلا انه يلاحظ انخفاض عدد الأعضاء بشكل إجمالي خلال العام الماضي. حيث بلغ إجمالي عدد الأعضاء 25 ألف عضو من بينهم 13 ألفاً و446 عضوا عاملا و11 ألفاً و500 عضو منتسب مما يؤكد انحسار العمل التطوعي وغياب المشاركة في العمل الاجتماعي من قطاع عريض من المواطنين والمقيمين على السواء رغم حاجة المجتمع إلى ذلك العمل.

وفيما يتعلق بحل جمعيات النفع العام أوضح التقرير انه تم حل أكثر من 15 جمعية خلال السنوات القليلة الماضية. ففي عام 1996 أصدرت الوزارة قرارا بحل 6 جمعيات وهي جمعية بنغلاديش الثقافية الاجتماعية بالفجيرة وجمعية الخدمات الإنسانية بأبوظبي وجمعية المهندسين الباكستانية وجمعية الشباب النهالي وجمعية نادي طاووس لانكا وجمعية أبوظبي لحماية البيئة وفي عام 1999 تم حل 7 جمعيات أربع منها بأبوظبي واثنان بالشارقة وجمعية واحدة بدبي.

وفي عام 2000 تم حل جمعية الفنانين. وقد جاء حل تلك الجمعيات بعد ما أظهرت نتيجة التفتيش الدوري للجمعيات ومتابعة أنشطتها أنها لم تمارس أي دور يذكر ولم تشارك في أي نشاط كما أنها أصبحت عاجزة عن تحقيق أغراضها مما استوجب حلها.

كتب عادل السنهوري:

Email