المدرسة التيمية المحمودية بالشارقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بيان المدارس: حين تقدم المدارس العلم والمعرفة فانها بذلك تصنع التاريخ الذي تنسجه شخصيات كانت ذات يوم فوق مقاعد الدراسة كي تتسلح لمعركة الحياة بعلوم العصر وفنون البشرية. وكالأفراد وحركتهم المعروفة في الازمان والعصور فان للمدارس ايضا دورها فيما تصنعه ـ رغم ثباتها الظاهري ـ في محيطها اذ تلعب دورا مؤثرا فيما وفيمن حولها يجعلها هي الاخرى صاحبة تاريخ لا ينفصل مطلقا عن تاريخ وحركة مجتمعها. حول المدارس ذات التاريخ والاثر والمكانة والدور نلتقي لنطالع تلك الملفات القديمة لـ «مدارس لها تاريخ». عندما نتتبع خطوات مسيرة التعليم في الامارات فلابد ان تستوقفنا تلك البصمة المؤثرة التي صنعتها المدرسة التيمية المحمودية التي تعد ثاني مدرسة شبه نظامية في الامارات حيث انشئت عام 1907 وظلت طوال ما يقارب العشرين عاماً مشعلاً من مشاعل النور والتعليم وعلامة بارزة في سجل التعليم بالامارات. وتعود تسمية المدرسة بالتيمية المحمودية الى ان المشرف على المدرسة ومديرها الشيخ عبدالكريم بن علي البكري كان يأخذ بأقوال شيخ الاسلام ابن تيمية في الأحكام والعقائد نظراً لأثرها في اصلاح الفرد والمجتمع عقيدة وخلقاً وتربية ونظاماً، ومن هنا اكتسبت المدرسة الشق الأول من اسمها. اما الشق الثاني ـ اي المحمودية ـ تعبيراً عن انتساب المدرسة لصاحبها ومؤسسها الشيخ علي بن محمد المحمود ـ رحمه الله ـ والذي انفق عليها، واحضر لها العلماء والمعلمين وزودها بالاحتياجات، حيث كانت الدراسة بها بالمجان. قسمان دراسيان وكان موقع المدرسة التيمية المحمودية في حي السوق بالشارقة او ما يطلق عليه (فريج السوق) وبالتحديد بجوار السوق المعروف باسم (العرصة) ويقع هذا الحي بالقرب من منزل المرحومين جاسم عبدالله المدفع وسالم بن سعيد الشامسي. أما مبنى المدرسة الذي اختاره الشيخ علي المحمود مقراً للمدرسة، فقد كان مكوناً من طابقين، وقام بتجديده وتأثيثه وأدخل فيه الادوات اللازمة، واحضر الكتب والقرطاسيات وقد انقسمت المدرسة الى قسمين: الأول يتعلم فيه الطلبة المستجدون، اما القسم الثاني فهو خاص بتعليم علوم الدين والعلوم الشرعية بمختلف فروعها. افتتاح المدرسة عندما نعود لبداية المدرسة فإننا نجد ان للمدرسة قصة حيث قام الشيخ علي المحمود ـ رحمه الله ـ بعرض موضوع انشاء المدرسة على تجار الشارقة وحثهم على التعاون على البر والتقوى، فوعده التجار خيراً، ولكن بعد مضي فترة من الزمن لم يجد اجابة شافية توكل على الله وأنفق على المدرسة بنفسه، وعلى ضوء ذلك وبعزم وايمان صادقين، احضر للمدرسة العلماء وأرسل الطلاب في البعثات التعليمية الى خارج البلاد لاستكمال دراستهم في العلوم الشرعية. كما تكفل الشيخ علي المحمود بكافة احتياجات المدرسة التي قام بافتتاحها، كما وفر لها المعلمين الأكفاء والذين يتمتعون بدرجة كبيرة من العلم والدراسة في شتى العلوم، وقد ظهرت ثمارها الطيبة عندما درس فيها من أصبح اول مواطن اماراتي يتخرج في الازهر الشريف وكان ذلك عام 1929، عندما حصل الشيخ محمد بن سعيد بن غباش على الشهادة الازهرية. كما أوفدت المدرسة اول بعثة دراسية من طلبتها لاستكمال تعليمهم خارج الامارات ليشغلوا بعد عودتهم مناصب القضاء والافتاء والوعظ والخطابة الى جانب القيام بوظائف التعليم. البكري أول مدير حرص مؤسس المدرسة التيمية على اختيار اساتذة مدرسته ممن يتمتعون بمعارف واسعة في العلوم الشرعية، اما ادارة المدرسة فقد كانت لفضيلة الشيخ عبدالكريم بن علي البكري الذي دعاه الشيخ علي المحمود الى الشارقة للتدريس في مدرسته التيمية المحمودية، وهو ينتسب الى بلدة البكرية في نجد بالقصيم بالمملكة العربية السعودية، وكان قد تلقى علومه في الهند على يد جماعة من أهل الحديث لمدة خمس سنوات، وقد عرف بتقواه وكرم نفسه واجادته للتربية والتعليم، اما بالنسبة للعلماء اساتذة العلوم الشرعية والذين تكونت منهم هيئة المدرسة، فمنهم نذكر فضيلة الشيخ صالح بن محمد الدرويش وفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز آل سلمان وفضيلة الشيخ صالح الغماس وفضيلة الشيخ سالم بن محمد اليماني وفضيلة الشيخ محمد بن فيصل الحريملي وفضيلة الشيخ فيصل بن محمد بن فيصل الحريملي. اما بالنسبة للقسم الثاني وهو الخاص بالمبتدئين والذي تأسس بعد بضع سنين من بدء المدرسة، فكان يديره ويشرف عليه صالح العثمان وهو عراقي أديب وبليغ وعاونه في عمله مجموعة من المدرسين وكان بينهم: ابراهيم بن محمد الزلفي وعبدالله بن سعد وسرهيد الحريملي وسيد علوي. منهاج اسلامي وثقافة دينية كان منهج المدرسة التيمية المحمودية قريباً من منهج التعليم بالمدارس المصرية باستثناء بعض المواد التي تتطلبها احتياجات المجتمع المحلي في الامارات. وقد اهتمت المدرسة اهتماماً كبيراً بالعلوم الاسلامية واللغة العربية، اضافة الى محو الأمية وتعليم الكبار وتثقيفهم، لذا كانت الكتب تراعي الاهتمام بالثقافة الدينية، فضلاً عن الاشتراك في الصحف العربية المصرية والسورية وتلك التي كانت تصدر في الحجاز، وتهتم بالنواحي الاجتماعية والأدبية. تعليم حديث للقسم الابتدائي وكان منهج القسم الابتدائي بالمدرسة التيمية أكثر اقتراباً من أساليب التعليم الحديث لذا فقد كان المنهج يتضمن تعليم التلاميذ دروس الدين والتهذيب جنبا الى جنب مع قواعد الكتابة والإملاء والحساب التجاري وبعض دروس مادة الاجتماعيات التي كان في مقدمتها: السيرة النبوية ودروس في التاريخ الاسلامي، وبعض المعارف المبسطة في مباديء علم الاقاليم اي مادة الجغرافيا. وكانت الدراسة في المدرسة التيمية المحمودية تستمر لمدة ست سنوات تقريبا، حيث كانت تعقد للطلبة امتحانات وتسجل درجاتهم في كشوف خاصة، وكان يتم اعلام الطلبة بنتائجهم شفويا. اما بالنسبة للعطلة الدراسية، فإنها كانت على فترتين، كل فترة مدتها اربعون يوما، وكانت الفترة الاولى في الشتاء اما الثانية ففي الصيف. الدارسون : مواطنون ووافدون بلغ عدد طلبة المدرسة بقسميها الابتدائي والحلقات العلمية حوالي اربعمئة وخمسين طالبا، منهم حوالي مئة وثلاثين وافدا، قدموا من خارج البلاد. اما من درسوا بالمدرسة في سنواتها الاولى من ابناء البلاد فقد كان منهم: المغفور له الشيخ سلطان بن صقر حاكم الشارقة الاسبق في ايام نشأته وحياة والده الشيخ صقر بن خالد القاسمي والمرحوم الشيخ محمد بن صقر القاسمي والمرحوم الشيخ ماجد بن صقر القاسمي وحميد بن راشد بن عبدالله الكندي وسالم بن علي المحمود وسلطان بن عبدالله المناعي وعبدالله بن علي المحمود وابراهيم بن محمد المدفع ومحمد بن سلطان بو عليان وعبد العزيز بن الشيخ وسيف المدفع وحمد بن محمد المشغوني واحمد بن علي المناعي والشيخ عبدالعزيز بن عبد الرحمن بن شهيل واحمد بن سالم المزروع وعبدالرحمن بن سعيد المدفع ومحمد بن علي المحمود وجميعهم من الشارقة. كما كان بين الدارسين من عجمان: المرحوم عبدالله بن سيف بن سلوم وغانم بن حمد بن غانم وسيف بن ماجد وعبدالله بن حميد بن ثاني وراشد بن خصيف والشيخ حميد بن صالح والشيخ عبدالله بن محمد الشيبة وعبدالله بن صالح، ومن ابناء ام القيوين محمد بن عبدالله بن عون وراشد بن صفوان، ومن رأس الخيمة: الشيخ حسن بن محمد بن صالح الظفير والشيخ محمد بن صالح الظفير وهاشم بن محمد الظفير وسعيد بن حسن الحولة ومحمد بن سعيد بوميان وعبدالعزيز بن عبدالله بن عبد الرحيم والشيخ حميد بن احمد بن فلاو والشيخ عبدالله بن علي بن سلمان والشيخ محمد بن سعيد بن غباش وحمد بن عبدالله العويد وعبدالله بن سلمان وسهيل بن مرزوق وغيرهم الكثير. اما الطلبة الوافدون الذين التحقوا بالمدرسة التيمية المحمودية فقد كانوا من بلاد فارس وبلدان الخليج العربي واليمن والصومال، وتجدر الاشارة هنا الى أن طلاب التيمية الوافدين قد نزح بعضهم الى مصر واصبح من العلماء الكبار مثل الشيخ عبدالعزيز بن راشد والشيخ القصبي. ويذكر ان اهتمام الشيخ المحمود بتزويد الدارسين بمدرسته بالعلم النافع لم يوقفه عند هذه المحطة فقط وانما وجه انظاره نحو تحقيق استفادة لطلبته من علم الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع الذي كان راغبا في حضوره الى الشارقة للتدريس لولا ان شيخ قطر سبقه في اقناع المانع بالمكوث هناك وقيادة الحركة التعليمية هناك ولأن المحمود كان حريصا على تزويد طلابه بما يملكه الشيخ المانع من علم وثقافة ولذا اعلن الشيخ المحمود ان من يريدون التعلم على يد المانع فانه يتعهد لهم بكل ما يلزمهم، وقد استجاب له 25 طالبا قام بارسالهم للدراسة بالمدرسة الاثرية بالدوحة التي انشئت 1913 . وضمن الذين استفادوا من هذه البعثة: الشيخ محمد بن سعيد بن غباش والشيخ محمد بن خلفان بوخاطر، والعالم عبدالله بن حميد بن ثاني، والشيخ مبارك بن سيف الناخي، والشيخ عبدالله بن علي بن سلمان، والشيخ عبدالله بن محمد، والشيخ حميد بن احمد بن فلاو، والشيخ حمد بن محمد المشغوني. المكتبة التيمية بعد انشاء المدرسة التيمية بثلاث سنوات تقريبا تم تأسيس مكتبة داخل مبناها لتيسير امور المطالعة، وقد احتوت على الكثير من الكتب الهامة، وكانت تلقى فيها الدروس والمحاضرات، كما كانت عاملا اساسيا في تسهيل المطالعة ومكافحة الأمية وتعزيز التعاون ونشر الفضيلة بين الناس، وتشجيعهم على التزود بشتى المعارف والعلوم، اضافة الى انها كانت مشعل نور وصوتا داعيا الى محاربة الفساد بالحكمة والموعظة الحسنة. علي بن محمد المحمود حياة فاضلة ورحلة تنوير مبكرة ولد الشيخ علي بن محمد المحمود التميمي النسب، الحنبلي المذهب في الشارقة عام 1852م وتوفي في رأس الخيمة سنة 1937م، وقد وصلت عائلة المحمود الى الشارقة من نجد منذ اكثر من 400 سنة تقريبا، وللشيخ علي المحمود ستة من الذكور هم عبدالله ومحمد وسالم واحمد وعبدالعزيز وسالم (الثاني) . وقد كان الشيخ المحمود رحمه الله يتحلى بالعديد من الصفات الفاضلة وهي حب الخير والاحسان والتواضع والجود والانفاق في سبيل الله ومحاربة الباطل ونشر المعرفة، كما كانت له شخصية بارزة اجتماعيا وقد كان من اشهر تجار اللؤلؤ في الخليج العربي انذاك، كما كانت تربطه علاقة محبة وصلة بالملك عبدالعزيز آل سعود والأمير عبدالله بن جلوي، كما كان مجلسه مفتوحا للضيوف والعلماء والقادمين ليصبح ملتقى لتدارس مختلف العلوم. معارضة الانجليز للتعليم وقد انفق علي المحمود الكثير من ماله الخاص في سبيل الخير وجعل نور التعليم يشرق في المنطقة، وهذا مما قاده الى مواجهة الانجليز الذين عارضوا ما قام به حيث وقفت بريطانيا بحزم ضد فكرة ظهور التعليم في الاراضي التي احتلتها، عندما سيطرت على الخليج العربي ولاكثر من 150 عاما انتهت باعلان الاستقلال ورحيل آخر جندي انجليزي في المنطقة، خاصة وان بريطانيا كانت تريد ابقاء المنطقة في حالة تخلف دائم ، حتى لايظهر من ابناء المنطقة متعلمون قادرون على مواجهتها وهم يسعون للمطالبة بحرية بلادهم. وعندما بدأت اشراقة مدرسة علي المحمود في البروز في مطلع القرن العشرين واخذت تبث روح تنوير العقول وتغذيتها بالعلوم النافعة فان ذلك جعل بريطانيا تشعر بالاستياء من مؤسسها واخذت تضايقه لولا وقوف حاكم الشارقة الى جانبه لتعرض لايذائهم. علياء سعيد

Email