«الجامعة المنتجة» أفضل وسيلة لمواجهة مشكلات التطوير

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن عالمنا المعاصر اليوم يتسم بتسارع ايقاعات متغيراته، فليس امام كل من اراد ان يواكب تلك الايقاعات والابداعات الا ان يمتلك القدرة على الاسهام، انتاجا وابداعا، ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا عن طريق العلم والتعليم والثقافة وإلا ظل تحت تبعية القادرين عليه، وقد يُصاب باغتراب عن التقنيات المعاصرة فيقف مبهوراً امامها متفرجاً على حركة نموها فحسب. ولئن أصبح العلم والتعليم ضرورة استراتيجية تمليها متطلبات واقعنا المعاصر والرغبة في الاستفادة من المعطيات التقنية الحديثة، فإن ذلك يستوجب تخطيطاً سليما كي يتبوأ التعليم مكانته على رأس قائمة الأولويات التنموية للدول العربية. ان المعرفة العلمية اصبحت متطلبا ضروريا، وصناعة تعتمد على خطط مدروسة جيدة الإعداد، وهي تتطلب انفتاحا على متغيرات الواقع، واستيعابا واعيا لمتقضيات العصر مع الوعي التام بخصوصية مجتمعاتنا في جوانبها الشرعية والأخلاقية والثقافية، ذلك ان العالم تحول الى قرية كبيرة، تزداد اواصر الاتصال بين اطرافها يوما بعد يوم وتتطلب المعرفة العلمية الجد والابداع والعمل على ملاحظة التغيرات مع الحفاظ على الثوابت والخصوصيات في عالم يتسم بالتغير، بل لابد من تطوير الواقع الى الافضل، ولا بد ان ندرك ـ نحن ابناء شبه الجزيرة العربية ـ ان مجرد امتلاك المواد الخام لا يحمي اقتصادنا، بل ان القوة الحقيقية لامتنا تكمن في ثروتها البشرية، ولن يفيد الأمة الا سواعد ابنائها العلماء العاملين، ولعل مثال اليابان وبعض الدول الصناعية (الأوروبية) والتي لا تمتلك من الثروات الطبيعة الا الشيء القليل ورغم ذلك فهي تتبوأ مكان الصدارة في العالم اقتصاديا وصناعياً وتجارياً وما ذلك إلا بفضل استثمارها في تربية الاجيال علمياً والمحافظة على تلك الاستثمارات وتعهدها وتحسين مستواها. ان الغد يندفع نحونا بكل قضاياه وتحدياته، ولا مفر أمامنا من تهيئة اجيال أمتنا واعداداً منظماً لمواجهته بكل ثقة، وليس افضل من «التعليم العالي» كي تكون ساحات الإعداد لهذا اللقاء المؤكد والمرتقب، وليس أحق من مؤسسات التعليم العالي كي تحتضن الإبداع الفكري للأجيال، بحيث تنميه وترعاه وتطوره. وتتصف متطلبات مؤسسات التعليم العالي، وبالذات الجامعات، في أي مكان في العالم بحاجتها المستمرة والمتزايدة للموارد المالية التي يتطلبها تطوير وتحديث برامجها التعليمية والبحثية، ويواجه كثير من الدول في المجتمعات النامية والمتقدمة على حد سواء صعوبات متزايدة في توفير الموارد المالية الضرورية، وذلك بسبب ضخامة الاستثمارات المالية التي يتطلبها تشغيل مؤسسات التعليم العالي والتوسع فيها، وخصوصاً في الدول النامية والتي اتبعت سياسة التمويل الحكومي الكامل للتعليم العالي، وهو التزام كان ضروريا، خصوصاً في بداياته، وذلك لكونه من اهم الاستثمارات طويلة المدى، والتي لها مردود كبير على تقدم المجتمع وتطوره في كافة المجالات والقطاعات. اضافة الى ذلك، فإن الاستثمار في هذا النوع من التعليم لا يستطيع الافراد البدء به، كما انه يتطلب تخطيطاً ومتابعة لضمان سيره بما يتلاءم مع متطلبات التنمية. وتعتمد معظم الجامعات العربية في تشغيلها وتوسعها على التمويل الحكومي بشكل كامل، وهذا يجعلها تتأثر بشكل كبير بما تتعرض له الميزانيات الحكومية من نقص أو التزامات طارئة، ولم تتمكن الجامعات العربية ـ رغم مرور عقود عديدة على انشاء بعضها ـ من تطوير اساليب تضمن استمرار التمويل في فترات تقلص الدعم الحكومي. ومن ابرز البدائل المتاحة امام كثير من مؤسسات التعليم العالي ما يطلق عليه «الجامعة المنتجة»، وهو الاسلوب المتبع في عدد من جامعات الدول المتقدمة تقنياً، وفي الولايات المتحدة الامريكية بشكل اكبر. وهذا المفهوم يعني باختصار ان تعمل الجامعة على زيادة مواردها من الخدمات التي تقدمها للآخرين، مع المحافظة على التزاماتها العلمية والثقافية تجاه المجتمع في الوقت نفسه. وهو لا يعني اطلاقاً ان تعامل الجامعة أو ان ينظر اليها أو نتوقع منها أن تتصرف كشركة تجارية، فللجامعات اهداف تختلف عن تلك التي تسعى لتحقيقها الشركات التجارية. فالمهمة الاساسية للجامعة هي التعليم والبحث وخدمة المجتمع، وهي مهمة يجب ان تفهم وتصان بعيداً عن المفهوم التجاري التقليدي، اما العمل التجاري في حالة «الجامعة المنتجة» فهو مدعم للمهام الرئيسية في الجامعة ويساعدها على تأدية رسالتها بالشكل المطلوب. تجربة صينية ناجحة وقد يكون من المناسب الاشارة الى احدى التجارب الناجحة في هذا الميدان رأيتها أثناء زيارة للصين، وهي تجربة جامعة بكين. ففي بداية التسعينيات الميلادية، أي قبل نحو عشر سنوات، كانت ميزانية جامعة بكين تعتمد على مساعدة الدولة بنسبة 100% وفي عام 1997م، أي بعد سبع سنوات فقط من تحويل جامعة بكين الى جامعة منتجة، أصبح 30% فقط من ميزانية الجامعة يتم بتمويل من الدولة، بينما 70% من ميزانية الجامعة يأتي من استثمار الخبرات والامكانات البشرية والمادية في الجامعة مع القطاعين الحكومي والاهلي داخل الصين وخارجها، علما بأن هذا التغير في النسب لم يؤد الى تناقص المبلغ الاجمالي الذي تسهم به الدولة لدعم الجامعة، بل على العكس من ذلك، فقد كانت هناك زيادة طفيفة. ولو تخيلنا جامعة بكين بدون الدخل الذي حصلت عليه نتيجة لهذا التحول الجذري، لأدركنا حجم المعاناة التي كان يمكن ان تواجه الجامعة، كما يمكننا ان نتصور المجالات التي أتيحت للجامعة نتيجة لتضاعف ايراداتها ثلاث مرات. ويرتبط الانفاق على برامج الجامعات وأنشطتها المختلفة بحجم التمويل وانتظامه. فنتيجة للاعتماد الكامل على الدعم الحكومي، وتزايد الاعباء الملقاة على الجامعات العربية، نلاحظ وجود تناقص نسبي في حجم الانفاق على مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد العربية، كما ان المبالغ التي تصرف في هذه المؤسسات تتركز على أمور التشغيل الاداري، والتدريس، وتقل كثيرا في خدمة المهمات الاساسية الاخرى مثل البحث والتطوير. ويلاحظ ان هناك تناقصا مستمرا في المعدل السنوي للطالب في ميزانية معظم جامعات الدول العربية ان لم يكن كلها. تواجه مؤسسات التعليم العالي في جميع انحاء العالم تقريبا، وان كانت بنسب متفاوتة، مشكلة زيادة مستمرة في اعداد خريجي المرحلة الثانوية، يصعب في الغالب ان توازيها اعتمادات مالية لزيادة مماثلة للطاقة الاستيعابية في مؤسسات التعليم العالي، وبالذات في الجامعات، التي تواجه ايضا الطلب المستمر للتوسع الافقي لكلياتها واقسامها في بعض التخصصات العلمية المكلفة، مثل الطب والحاسب الآلي وغيرهما، وكذلك الحاجة الى التحديث المستمر لمرافقها وتجهيزاتها بما يتلاءم مع التطورات المتسارعة التي تحدث في شتى الميادين العلمية والتقنية. لقد أدى القبول المستمر للطلاب في الجامعات الخليجية دون وجود زيادة مماثلة في الاعتمادات المالية التشغيلية الى انخفاض واضح في حصة الطالب من ميزانية الجامعة، وهو امر يواجه جميع الجامعات في دول مجلس التعاون دون استثناء. وسأكتفي هنا بذكر مثالين، الاول من جامعة البحرين حيث ارتفع عدد طلاب الجامعة خلال خمس سنوات (1993/1994م ـ 1997/1998م) بنسبة سنوية بلغت 4.5% إلا ان نسبة الزيادة السنوية في الميزانية التشغيلية للجامعة خلال تلك الفترة لم تتجاوز 1.8%. وبذلك انخفضت حصة الطالب من ميزانية الجامعة من 2194 دينارا في العام 1993/1994م الى 1928 دينارا في العام 1997/1998م. وفي جامعة قطر ارتفع عدد الطلاب من 6143 طالبا في عام 1990م الى 8271 طالبا في عام 1995م أي بزيادة نسبتها 35%، الا ان ميزانية الجامعة لم ترتفع الا بنسبة 6% تقريبا، بحيث انخفضت حصة الطالب من ميزانية الجامعة من 32 الف ريال الى 25 الف ريال. مصادر اضافية للدعم المالي لكن يبقى السؤال هنا: هل من اللازم على الدول ان تغطي جميع تكاليف العملية التعليمية، وتزيد عليها دفع مكافآت نقدية للطلاب؟ ثم اذا رغبت الدول او بعضها في استمرار تحمل هذه التكاليف، هل باستطاعتها ذلك في ظل الازدياد المضاعف لاعداد الطلاب؟ اعتقد ان الامر يحتاج الى نظرة واقعية، يفرق فيها بين وقت كان فيه عدد الطلاب محدودا والحاجة قائمة لتخريج المزيد من الطلاب مهما كانت تكلفة هذا التأهيل، وبين وقت زاد فيه عدد الطلاب فأصبح الخيار بين تقديم الخدمة لعدد أكبر، أو قصرها على عدد محدود، وحرمان اعداد اخرى من هذه الخدمة. ان طموح الجامعات في اي مجتمع لا حدود له، لذلك كان لابد من ايجاد مصادر اخرى اضافية يمكن ان تضاف الى الدعم الحكومي لمساعدة الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الاخرى لبلوغ اهدافها وتنفيذ مشاريعها. ومن ابرز البدائل المتاحة امام كثير من مؤسسات التعليم العالي ما يطلق عليه «الجامعة المنتجة»، وهو الاسلوب المتبع في عدد من جامعات الدول المتقدمة تقنيا، وفي الولايات المتحدة الامريكي بشكل أكبر. وهذا المفهوم يعني باختصار ان تعمل الجامعة على زيادة مواردها من الخدمات التي تقدمها للآخرين، مع المحافظة على التزاماتها العلمية والثقافية تجاه المجتمع في الوقت نفسه. وهو لا يعني اطلاقا ان تعامل الجامعة او ان ينظر اليها أو نتوقع منها ان تتصرف كشركة تجارية، فللجامعات اهداف تختلف عن تلك التي تسعى لتحقيقها الشركات التجارية. فالمهمة الاساسية للجامعة هي التعليم والبحث وخدمة المجتمع، وهي مهمة يجب ان تفهم وتصان بعيدا عن المفهوم التجاري التقليدي. اما العمل التجاري في حالة «الجامعة المنتجة» فهو مدعم للمهام الرئيسية في الجامعة ويساعدها على تأدية رسالتها بالشكل المطلوب. قضية التمويل وفي المملكة العربية السعودية تم التخطيط للتعامل مع قضية التمويل من خلال ثلاثة أساليب: 1 ـ الاعتماد على الدعم الحكومي، فقد رعت المملكة العربية السعودية التعليم العالي بكافة فروعه ومستوياته منذ بدايته وحتى الوقت الحاضر. ويتضح ذلك من الميزانيات السنوية للتعليم العالي التي تضاعفت على مر السنين، حيث ارتفعت الميزانية المعتمدة لقطاع التعليم خلال الاعوام الاخيرة لتصل الى 41.69 مليار ريال في عام 17/1418هـ (1997م) ثم الى 53.3 مليار ريال في عام 21/1422هـ (2001م) وهذا يمثل 25% تقريبا من الميزانية العامة للدولة، وما يقرب من 9% من الناتج المحلي الاجمالي. 2 ـ تبني مفهوم الجامعة المنتجة، حيث بدأت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن هذا الاتجاه، ونجحت من خلال معهد البحوث بالجامعة من القيام ببحوث لجهات داخل المملكة وخارجها قدرت قيمتها الاجمالي بحوالي 255 مليون ريال. ومنذ عامين بدأت الجامعات الاخرى بانشاء معاهد بحوث مشابهة تمكنت رغم قصر عمرها الزمني من تقديم ما يربو على 200 بحث لجهات حكومية وأهلية، اضافة الى أكثر من 60 عقدا لاستشارات علمية يقوم بها اعضاء هيئة التدريس للقطاعين العام والاهلي، ومجموعة قيمة هذه العقود تبلغ اكثر من 46 مليون ريال، وتستعين هذه المعاهد بأعضاء هيئة التدريس والمختصين في مختلف كليات الجامعات ومراكز البحوث بها. 3 ـ انشئ حديثا صندوق باسم «صندوق التعليم العالي» يعتمد على تنظيم المكافآت التي يحصل عليها الطلاب. هذه المكافآت كانت ولا تزال حافزا للطلاب والطالبات خلال مسيرتهم التعليمية. الا انه لتضاعف عدد الطلاب في جامعاتنا ومحدودية استيعاب المستجدين تمت اعادة تنظيم المكافآت لتكون مصدراً لصندوق التعليم العالي، بحيث لا تصرف للطلاب الذين تجاوزوا المدة النظامية لانهاء الدراسة، والطلاب المعتذرين عن الدراسة او الذين طلبوا تأجيلها، والطلاب المنذرين اكاديمياً، وجميع الطلاب خلال العطلة الصيفية باستثناء المسجلين لفصل صيفي، وتوضع هذه المبالغ في صندوق التعليم العالي، ومن المصادر الاخرى لتمويل هذا الصندوق «صندق التعليم العالي»، ايرادات استخدام مرافق الجامعات، والاموال التي تخصصها الدولة للصندوق والهيئات والتبرعات والوصايا وسيقوم الصندوق باستثمار جزء من وارداته لتحقيق دخل اضافي مستمر، وسيتوجه الصندوق الى تمويل البرامج العلمية والاكاديمية للجامعات، وانشاء كليات جديدة، والتوسع في الكليات القائمة وتمويل شراء الاجهزة، وتوفير متطلبات المختبرات، وتوفير الاحتياجات الملحة للمستشفيات الجامعية، وغير ذلك من احتياجات الجامعات. البحث العلمي وغياب الاستراتيجيات من الثابت ان البحث العلمي لا يسهم بالدور المأمول في دعم برامج التنمية في الاقطار العربية، ناهيك عن عدم وجود تأثير مباشر له في الانتاج العلمي والعالمي، وتقدر بعض التقارير مصروفات البحث والتطوير في الدول العربية بحوالي 780 مليون دولار، وهي نسبة لا تتجاوز 0.15% من اجمالي الناتج المحلي «معدل الدول الصناعية 2.5%» كما انه مبلغ يقل كثيرا عما يصرف على نفس الاغراض في جامعة واحدة من الجامعات الرئيسية في الولايات المتحدة او اليابان، كما تشير الاحصائيات بأن هناك 322 وحدة ادارية للبحث والتطوير في الدول العربية يعمل فيها حوالي 19000 باحث، بينما يصل عدد الموظفين فيها الى حوالي 64000 موظف «ثلاثة امثال عدد الباحثين تقريباً». ومن المعوقات الاخرى التي تواجه البحث العلمي في الوطن العربي عدم وجود استراتيجيات واقعية وبرامج محددة قابلة للتطبيق في اغلب اقطاره يضاف الى ذلك ضعف التمويل الحكومي، وضعف البنية التحتية التقنية، وضعف اسهام القطاع الخاص في دعم مراكز البحث الجامعية، وعدم قدرة الجامعات العربية تسويق خدماتها البحثية للخارج بما يمكنها من زيادة دخلها، وضعف التعاون والتنسيق والتكامل العربي. رغم ان البحث العلمي يواجه بعض العقبات كما هي الحال في الدول العربية الاخرى، إلا ان الارقام التي تنشرها المنظمات الاقليمية المختصة تشير الى ان المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الثانية، بعد مصر بين الدول العربية من حيث الانفاق على البحث العلمي. ورغم ان هذا الانفاق يقل عن 1% من الناتج المحلي وهو الحد الادنى وفقا للتصنيف العالمي المستخدم لقياس الانفاق على البحث العلمي، إلا انه يفوق معدلات النسب المشابهة في الدولة العربية والدول النامية وتظهر المؤشرات والاحصائيات زيادة سنوية منتظمة في تلك النسبة. وتقوم مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بدور بارز في رعاية البحث العلمي في المملكة، وتشاركها في ذلك الجامعات السعودية التي يعد اساتذتها وباحثوها اكثر المستفيدين من خدمات ومرافق المدينة، كذلك توجد مراكز ومعاهد مختلفة الاختصاصات في الجامعات السعودية استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية تحقيق عدد من الانجازات العالمية، مثل حصول علماء سعوديين بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن على براءات اختراع عالمية لابحاثهم واكتشافاتهم في مجالات الليزر والبتروكيمياويات. ضعف تأهيل الجهاز التعليمي تعاني كثير من الجامعات العربية من قصور استراتيجي في اسلوب تأهيل اعضاء هيئة التدريس والباحثين العاملين بها، ويمكن ان ينظر الى ذلك من زاويتين احداهما العزلة التي تعيشها بعض الجامعات العربية بحيث يتم تعيين خريجيها من الدراسات العليا ليكونوا ضمن الجهاز التعليمي لاعضاء هيئة التدريس فيها، وهذا تقليد تجاوزته الجامعات المرموقة، بحيث تحرص تلك الجامعات على تدفق خبرات جديدة من خريجي الجامعات الاخرى تأتي معها بتوجيهات نظرية وعلمية تسهم في تطوير العملية التعليمية والجهود البحثية للجامعات من واقع تجارب لم تكن متوافرة فيها من قبل وتحث الموجودين على الابداع بدلاً من ضمان البقاء دون منافسة من خارج الجامعة. والمؤشر الآخر للقصور في كثير من الجامعات العربية هو ضعف او بطء الاستجابة للتخصصات العلمية الحديثة والتغيير في البرامج العلمية القائمة، وتشير بعض التقارير الى ان خريجي التخصصات الاجتماعية والانسانية في مؤسسات التعليم العالي العربية يشكلون اكثر من 50% وهي نسبة عالية جداً قياساً بحاجة البلاد العربية الى طاقات ذات تأهيل مهني وتقني وصناعي، يواكب حاجة البلاد من اجل الاكتفاء في احتياجاتها من الكفاءة البشرية كماً ونوعاً. كما ان خطط تأهيل اعضاء هيئة التدريس بين مد وجزر وتتأثر كثيراً بالاعتمادات المالية، وقد بدأ الانحسار واضحاً في هذا المجال خلال العقد الماضي. تحديات تخصيص التعليم العالي في ظل النمو المتزايد للطلب على التعليم العالي وعدم قدرة الجامعات الحكومية على استيعاب الطلبة المتقدمين لاسباب مالية في المقام الاول، بدأت بعض الدول العربية في التوجه الى اسلوب التخصيص في بعض مؤسسات التعليم العالي، وهذا توجه جيد ومقبول من حيث المبدأ، إلا ان المتفحص لنوعية التجهيزات ومستوى البرامج في معظم المؤسسات الاهلية يجعلنا نتساءل هل سيكون بامكان هذه الجامعات الاهلية الاسهام في حل ازمة التعليم العالي العربي؟ ام انها ستكون عالة عليه، وتزيد من مشاكله وتعقدها وهذا لا يعني انه لا توجد تجارب ناجحة بل ومتميزة من الجامعات الاهلية، إلا ان هذه الحالات الناجحة لا تزال هي الاستثناء، ومع ذلك ابقت على الامل في امكانية نجاح التعليم العالي الاهلي. من محاضرة ألقاها الوزير السعودي في جامعة الشارقة تحت عنوان: التعليم العالي ـ لمحة من حاضره ومستقبله

Email