بعد التحية : بقلم د. عبدالله العوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف تؤدي الصحافة ما لها وتتحمل ما عليها اذا لم تحصل على جرعات من الحرية المسئولة؟!! المطلوب من الصحافة ان تتسلق الجبال دون ان تجد من يمنحها سبل النزول الآمن على الارض, بعيدا عن دحرجة الصخور على رأسها, هذا الجمع بين النقيضين صعب المنال والحصول في مجتمعنا اذا كنا عاجزين اعلاميين وآخرين عن تحمل بعضنا البعض, فلا داعي اذن لاطلاق صيحات عدم الثقة والشك والريبة في كل ما يكتب عن أداء المؤسسات الاتحادية والمحلية. ان الخيط الفاصل هنا لتبيان الحقائق او حتى نصف الحقائق وربع الحقائق ضائع من بين أيدي طرفي المعادلة الاعلامية العامة. الكل يريد صحافة حرة غير مكبلة بقيود صعبة تثنيها عن إكمال مسيرتها التنموية, لان الصحافة لها دور هام في دفع عجلة التنمية ببيان الانجازات اولا ثم استدراك الاخفاقات التي لن تخلو منها أية مؤسسة اطلاقا, وهذا شأن كل من يعمل والذي لا يعمل عملا منتجا خوفا من القيل والقال وكثرة الاستفسار والسؤال فهذا لا يحتاج الى ان يقع في الاخفاق لانه غارق فيه من حيث لا يشعر. ان بؤرة الصحافة احيانا اوسع من بؤرة المؤسسات العاملة وهي لا تملك الوقت للمتابعة الدقيقة في اعمالها اليومية, فهنا تلتقط عدسة المصور او قلم الكاتب والخبر انفاسها, وهي لم تعد مسبقا نفسها للبحث عن السلبيات بدليل انها تفرد الصفحات الطوال اولا لما هو منجز ومن ثم تلحقها بشيء قليل جدا من النقد الذي يفترض ان يساعد في البناء الاكمل, وهذا ما لا ينبغي العتب عليه لانه لا علاقة له بالترصد بقدر ما هو واجب وطني يملي على الصحافة توضيحه بهذه الصورة التي تخرج كل صباح امام القراء. اما طريقة تناول الاحداث في النشر والتحليل والتعليق فهي خاصة بكل مؤسسة صحفية على حدة وليس هناك قيد من الاتفاق عليها, وتتحمل سياسة التحرير في كل صحيفة مسئولية ما ينشر فيها وما على الاخرين الا استخدام القنوات الرسمية المعروفة وفق القوانين المتاحة بالدولة للاخذ والرد حسب الاصول المتبعة, وهي للاسف قلة تلجأ اليها وهذا في حد ذاته يلقى بحبال من الشك والريبة الآنية على بعض المواضيع التي تنشر بقوة ثم يسكت عنها كحال سكوتنا عن همزة الوصل حال النطق بها. حري بنا ان نعطي للصحافة فرصتها كاملة للمضي في الطريق الصحيح, وذلك بعدم تعرضها للسكوت عن قضية والكلام في قضايا اخرى لا تختلف عن سابقتها في الدرجة والمضمون. هنا يقع الجميع في حفرة التناقض ويبرز شعار (ناس وناس) بقوة وتمضي المسألة وكأنها ثارات شخصية وتصفية حسابات لاشخاص معينين باختفائهم من الساحة ينطفئ وهج الحديث الساخن عنهم وكأن البحر بلعهم. الحماس وحده للوصول الى درجة عالية من حرية النشر لا يكفي للاستمرار في الطريق الى تصعيد القضايا وتسخينها لان الحسابات ومقاييسها في مجتمعنا تختلف من مؤسسة الى اخرى ومن امارة الى اخرى, ففي الصحافة الرسمية للدولة مقاييس لا تتشابه مع الصحافة الخاصة في حرية النشر وان كان الجميع في النهاية خاضعاً لقانون واحد وهو قانون الاعلام الاتحادي. وعلى هذا الأساس عندما تنتهج الصحافة الرسمية بالدولة طريقا جديدا فهنا تكون الحاجة شديدة الى قانون جديد ايضا, يستدرك بعض مواده التي تحاسب الصحف على تجاوزاتها وفق المستجدات وليس ما فات. فالامر غدا اكبر بكثير من تناول قضية ساخنة او تسخين قضية باردة, لأن الميزان الذي يحدد هذا الانقلاب في مفهوم حرية النشر غير دقيق وهو اقرب الى الضبابية او الرمادية في الطرح, وهو امر غير محتمل في زمن تتكشف فيه اطنان من الاسرار والوثائق التي كانت لا تمس لكنها مسّت الان وابطلت مفعول السرية فيها.

Email