الموبايل وطلاب المدارس

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس بغريب ان يعاند الطفل عند ما يرى ان زملاءه في المدرسة يملكون حقيبة جميلة, او قلما او مقلمة جميلة, فيلزم والديه ان يشتريا مثلها له, وإلا لن يذهب الى المدرسة.وليس بغريب ايضا ان يطالبهما بعلبة كانا قد واعداه بشرائها له مع بداية العام الدراسي , او اذا حقق نجاحا في امتحان مادة ما, لان ذاك او ذلك من المألوف ان يجده مع اي طالب آخر. وفي الوقت نفسه بمثابة حافز له, ومعقول ايضا لانه في حاجة الى التشجيع. لكن الغريب كل الغرابة ان يقول لوالده بملء فيه: تشتري لي الموبايل, وإلا لن اذهب الى المدرسة, ويلح ذلك على والده ويكرر, من غير ان يقتنع بأن طلبه غريب. اقول يا ـ سبحان الله ـ هل بلغ امر الموبايل الى هذه المرحلة وهو جهاز عظيم ودقيق, وجد ليسهل امور رجال الاعمال في قضاء حوائجهم, ويوفر عليهم مشاوير الانتقال من والى, ويرفع ايضا عناء المراسلات والمكاتبات عنهم. هذا الجهاز المهم هل بلغ امره عندنا في الوطن العربي, او في الخليج خاصة الى درجة ان يتحول الى لعبة للاطفال, او الى اداة تسلية يتسلى بها الفتيان والفتيات كلما ارادوا ان ينسوا همومهم ومسؤولياتهم؟ انني في الواقع لو أعذرت الكبار بحكم المراهقة فإنني لا اعذر الصغار, لانهم يفترض ان تلفت اللعب والدمى نظرهم اكثر وإلا فكيف نفسر ولع الصغار بالموبايل. الصغار يوجد لهم في الاسواق موبايل تقليدي يؤدي وظيفة الموبايل الاصلي تقريبا فلماذا اذن يصرون على ان يحملوا الموبايل اذا ذهبوا الى المدرسة. هل لان الصغار اصيبوا بجنون المراهقة ايضا فيريدوا ان يغازلوا, على غرار الكبار. ام انهم يستهويهم الشكل, والعلم ان اشكال الهواتف التقليدية اجمل بكثير من الاصلية. في اعتقادي ان هذا الهوس في الصغار ضرب من العبث بمشاعر الكبار, وبمدخراتهم ولهم فيه مآرب اخرى واذا ان هذه الموبايلات او الهواتف النقالة ما هي إلا اجهزة الكترونية دقيقة, ومجهزة بأن تخدم مجالات متنوعة ولاهداف مختلفة فإنهم يلحون على آبائهم لحاجة في نفس يعقوب يريد قضاءها. الموبايل ليس من متطلبات الدراسة في اي مرحلة, ولا تخدم الطالب في شيء, اللهم إلا في مساعدته على الغش ايام الامتحانات, ولعمري كم من طالب ضبط في لجان الامتحانات العامة, وهي يخبىء هاتفه في جيبه ويتلقى مكالمات من اصدقائه خارج اللجنة. وكم من طالبة او دارسة ضبطت وهي تخبىء هذا الجهاز في نحرها او صدرها وتتلقى المساعدات عبره من زميلات لها من خارج اللجنة. أنني اتساءل لماذا نجاري اولادنا فنرخي لهم العنان كلما رغبوا في شراء شيء من السوق؟ والحال ان منا من لا يملك إلا قوت يومه, ولكن اذا طلب منه ولده او بنته مثل هذا الطلب ارخص له الغالي, ولو على حساب ان يتدين. هذا الذي اقوله ليس ضربا من الخيال, ولا اسطورة قديمة, بل سمة هذا العصر, الكثير من العوائل الفقيرة التي تجاري العوائل الغنية. واذا سئلوا فإن اجابتهم الوحيدة هي: ماذا نعمل ولدينا صغير بعد, يجب ان يكون عنده مثل ما عند الآخرين, حسبنا الله على هذا الزمن. اقول ان امثال هؤلاء الذين ارخوا العنان لأولادهم, واشتروا لهم الموبايل او الدراجات النارية هم انفسهم نجدهم يشتكون من المعلم اذا طالب اولادهم بخمسة دراهم للتربية الفنية في المدرسة, او للاشتراك في رحلة ترويجية. بالامس قامت ضجة على الاربعين درهما الذي فرضته احدى المناطق التعليمية على كل طالب مقابل شرائها له فانيلة او قميصا. في الواقع انا لا اريد ان اتدخل في ذلك الامر, فلقد نالت المنطقة من اقلام اولياء الامور وافواههم ما نالت. لكنني اقارن بين هذا وذاك فأقول: لم لا نقيم الدنيا ضد الاب الذي يشتري الموبايل لابنه وهو مازال طفلا يرضع؟ لم لا نعلن الحرب ضد الذي يدخن امام ابنائه فيقلدونه في المدرسة. لم لا نثور ضد الاب الذي يشتري الدراجة النارية لابنه ليتسكع في شوارع الحي مزعجا بدراجته الميت قبل الحي؟ ان هذه المشاهد هي ظواهر غير صحية, وغير تربوية لان الاطفال فيهم حب التقليد واقرب الناس اليهم الوالدان والمال الذي يبدره الطفل يفرغه والده في جيبه او والدته. اذن بإمكاننا ان نربيه افضل من هذه التربية, والتربية ليست مبلغا من المال ندفعه الى اولادنا كل يوم قبل ان يذهبوا الى المدرسة. وليس دلالا نستقبل به اولادنا عند عودتهم الى البيت, والتربية ليست غرورا نزود به ابناءنا وبناتنا كلما خرجوا الى الاسواق ليباهوا به الآخرين. بل التربية هي ان نعلمهم كيف يخططون اذا أرادوا ان يعملوا عملا ثم كيف ينجزون ذلك العمل في اقل وقت ممكن وبأقل تكلفة مالية ممكنة. نعم والتربية ان نعلمهم الاقتصاد والتواضع والاخلاص, والامانة, وشكر المولى على هذه النعم التي اذا قوبلت بالبذخ والتبذير زالت من بين اظهرنا وصدق الشاعر اذ يقول: اذا كنت في نعمة فأرعها فإن المعاصي تزيل النعم ودوام عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم اقول هذا وانا كلي امل بألا تفكر المكتبات يوما ما بأن تبيع الموبايل مع القرطاسيات الاخرى بحجة ان الطلاب يشترون, ولقد كفى ان المساجد تشتكي من الموبايلات والبليبات امر الشكوى. د. عارف الشيخ

Email