بعد التحية، بقلم: د. عبدالله العوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الساحة الفنية تعج بالمتاجرين بالفن الهابط لانه يستحيل ان يروج الا بالمتاجرة, اما الفن الراقي فإن نصيبه من قبل المتاجرين ضئيل للغاية ونعرف هذا من كثرة طرق البعض على أبواب هؤلاء دون ان يحصلوا عليه ردا بالجواب. لأنه معروف سلفا , لدى استماعي الى حديث ممتع لأحد الفنانين الكبار في عالم الطرب وتطرقه الى هذا الجانب الخطير عندما يتحول الفن بأكمله الى ميدان المتاجرة بالمعنويات التي يجب ان تصعد بالارواح بدل ان تسفل به الاذواق. ما الذي يوحي به بعض الفنانين الذين اتقنوا فن التعامل مع المتاجرين بمصيرهم وذلك بموافقتهم للعب بكف العفريت, فأجاب في كلمة واحدة اوصي بالعلم اولا وثانيا وثالثا. فماذا عن الموهبة؟ هي كالذهب الخام المكنون في المناجم فهو بحاجة الى من يستخرجه من باطن الارض او من بين الصخور الجبلية لاعادة تشكيله من جديد لكي يصلح ان يكون سواء في يد الحسناء تزداد به رونقاً وجمالاً الى جمالها, لان الذهب الخام لن يقوم بهذا الواجب بذاته فالعلم هو المسؤول عن هذا العمل الهام. معظم الذين دخلوا الى مجال الفن في بكور اعمارهم انقطعت بهم السبل عن تعلم المزيد عن عالمهم الجديد, فكان البديل عن هذا العلم الرصين هو البحث عمن بيده عملة المتاجرة والاحتكار لسنوات قد تصل الى عقود.. ويحسب من هذا شأنه انه ضمن المستقبل وما حوى او ما بعد وعلى ما انطوى, وهنا يكمن الداء بحيث لا يعطى مجالا لهذا الفنان للتفكير في التراجع فيما لو خطر على باله ترك هذا النمط من التعامل في سوق الفنون باللجوء الى بدائل قد تستجد في هذا الطريق. فمن هنا تبدأ المضايقات الفنية الدونية والحرب الشعواء ضد هذا المتبنى الصغير فيترك وحيدا امام سهام الاعلام الرخيص عندما يحاول الاصطياد في الماء الراكد بعد ان تتجمع حوله الحشرات المؤذية لاستخدامها في مزيد من الاذى وتثبيت القذى في العيون الحاسدة او الناقمة ضد من حسن تفكيره او اسلوبه واعاد عقله الى مكانه الصحيح بعد ان سلب منه تحت ضغوط المتاجرين في شتى أنواع الفنون الجميلة. هناك يكون للعلم المحاط بحصانة الشهادة المعتبرة ضامن لعدم الاستمرار في مشوار الفنون الهابطة وترويجها لصالح فئة لا تعيش الا على استغلال نواقص البشر في كافة احوالهم حتى يأتوا بأرجلهم قبل رؤوسهم الى بيت الطاعة الفنية. وهنا كذلك نؤكد على ان المتاجرة غير التجارة الفنية لانها في النهاية سلعة بحاجة ماسة الى من يقوم بترويجها في قنواتها الاعلامية المعروفة الا ان تداخل الخطوط بين عملية المتاجرة والتجارة وما بينهما شعرة يصعب الامساك بها لشدة اذاها اذا ما انحرفت عن اهدافها فليجرب احدنا وضع تلك الشعرة بين اصابع يديه ويقوم الآخر بسحبها فما الضامن لعدم ظهور الجراح الدامية من بين تلك الاصابع الفنية؟!

Email