خدمة كبار السن مسؤولية دينية ودنيوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن من قدر الله عز وجل أن جعل الإنسان يمر بمراحل مختلفة من الضعف والقوة، حيث يولد ضعيفاً، ثم يصير شاباً فتياً، ثم رجلاً قوياً، ثم يعود إلى الضعف بتقدم عمره، وكبر سنه، ووهن بدنه، قال تعالى: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير).

فمن تقدم به العمر فقد أكرمه الله سبحانه بكبر سنه، وجعله من خير الناس، فقد سئل رسول الله، أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم: «من طال عمره، وحسن عمله».

وقد أمرنا ديننا أن نعامل المسنين بالتوقير والرحمة لكبر سنهم والتطوع في خدمتهم، وهذا من إجلال الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة».

ويكون التطوع في إكرام كبير السن بالأعمال والتصرفات والأقوال؛ ومنها توقيرهم بتقدير شخصيتهم، واحترام كلمتهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا».

وإن التطوع في إكرام كبار السن والعناية بخدمتهم، والقيام على راحتهم، ومتابعة صحتهم من الأمور التي حثنا ديننا عليها، فقد ورد أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم تطوعوا بخدمة كبار السن.

ونزل أحد العلماء قرية، ووجد فيها نساء تقدم بهن العمر، وليس لهن خادم يخدمهن، ولا أحد يقوم على رعايتهن، فتطوع ودفع مالاً وأتى لكل واحدة منهن بخادم.

ومن التوقير لكبير السن أن يبادره بالسلام من هو أصغر منه سناً؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يسلم الصغير على الكبير». ويحسن استقباله إذا حضر، ويصدره في المجلس إذا دخل، وينصت إلى حديثه إذا تكلم، فحين أقبل ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أصغرهم أن يبدأ بالكلام؛ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كبر كبر». يريد أن يبدأ كبير السن بالحديث.

ومن صور توقير كبير السن وحفظ كرامته أن يبقى في بيته معززاً مكرماً إذا كانت له حاجة عند أحد؛ ويأتي إليه من هو أصغر منه سناً ليقضيها له، حتى لا يتكلف المسن عناء الذهاب إليه، فقد جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه بوالده أبي قحافة يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، فقال له صلى الله عليه وسلم: «لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه».

فمن حق كبير السن رجلاً كان أو امرأة عندما تكون له حاجة لدى الدوائر والمؤسسات؛ أن يفسح له من هو أصغر سناً، فيؤثره بمقعده أو دوره، ويترك له المجال في صعود المصاعد، أو المرور في الطرقات.

ومراعاة لكبير السن فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخفيف في الصلاة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير».

إن حسن العناية وجميل الرعاية للمسنين عمل نبيل، وخلق أصيل، فالماضي الذي نعتز به، والحاضر الذي ننعم به هم من صناعه ورواده، فعلينا أن نحسن إليهم كما أحسنوا إلينا: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).

 

Email