إصلاح ذات البين مسؤولية مجتمعية ومقصد إسلامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن من مقاصد شريعتنا المطهرة اجتماع الكلمة وتوحيد الصفوف وتأليف القلوب، وسلامة الصدور، وتقارب النفوس، والنهي عن الاختلاف والتباعد حتى أنه رخص للمصلح أن يكذب وليس بآثم قال -صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا» رواه البخاري ومسلم.

بل هو مأجور لسعيه في إصلاح ذات البين وسل السخائم من القلوب قال -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ» قَالَ: «تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ» قَالَ: «وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» رواه البخاري ومسلم.

وإصلاح ذات البين الذي دعا إليه الشارع الحكيم بمعناه الشامل على مستوى الأفراد والأسرة والجماعة قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).

إن إصلاح ذات البين مسؤولية فردية وجماعية وسلوك إيجابي وهو مع ذلك يدخل في إطار العبادات لحديث أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ قَالَ: وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) مسند أحمد بسند صحيح.

وإن إصلاح ذات البين له مقاصد شرعية من أهمها إصلاح ذات البين سد لثغرات الشيطان التي يفتحها في إفساد العلاقات بين الناس فعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِر ٍرضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «عَرْشُ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ، يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً، أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً» رواه مسلم.

كما أن إصلاح ذات البين إحباط لخطوات الشيطان في الإيقاع بين الناس فعَنْ جَابِرِ بْنِ عبد الله ــ رضي الله عنه ــ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:«إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ». رواه مسلم. وإصلاح ذات البين مبشر بعون الله لفاعله بالتوفيق قال تعالى: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).

وكذلك فإن إصلاح ذات البين يقوي الأواصر بين الأفراد والأسر وجميع مكونات المجتمع وبالتالي يتعاون الناس على بناء وحماية مجتمعهم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» ثُمَّ شَبكَ بَين أَصَابِعه. مُتَّفق عَلَيْهِ. إن كل فرد منا يتحمل ما يستطيع من مسؤولية إصلاح المجتمع وإزالة الفساد منه على قدر طاقته ووسعه والتعاون مع غيره لتحقيق هذا المطلب قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).

والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يكون الإصلاح بين الناس أفضل من صلاة وصيام التطوع؟ الجواب: نعم، فإن فساد ذات البين يترتب عليه سفك الدماء، ونهب الأموال وهتك الحرمات، فإذا تم الإصلاح بين الناس تحولت تلك الأخلاقيات الذميمة إلى ألفة ومحبة وإخاء واتحاد، فهو سبب للاعتصام بحبل الله تعالى وعدم التفريق بين الناس وفساد ذات البين نقص في الدين.

 

Email