أكد عبدالله بن دميثان، الرئيس التنفيذي والمدير العام لـ«دي بي ورلد» في دول مجلس التعاون، أن دبي ترسم ملامح مرحلة جديدة من التجارة العالمية، تقوم على سرعة الاستجابة للمتغيرات وتعزيز المرونة، من خلال منظومة ربط متكاملة بين الشحن البحري والجوي، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تأتي في وقت تواجه فيه التجارة الدولية ضغوطاً غير مسبوقة بفعل حروب التعريفات الجمركية، وتصاعد السياسات الحمائية، وتردد شركات الشحن في العودة إلى المسارات البحرية عبر البحر الأحمر.

عبدالله بن دميثان:

نموذج الربط الهجين بين الشحن البحري والجوي وفر شريان حياة حقيقياً للشركات

مستقبل التجارة العالمية يكمن في إعادة رسم ملامح سلاسل التوريد

وقال بن دميثان في تصريحات خاصة لـ«البيان»: إن نموذج دبي المتكامل في الربط بين الشحن البحري والجوي شكل طوق نجاة لشركات عدة في مواجهة الاضطرابات الأخيرة التي ضربت حركة التجارة العالمية، مشيراً إلى أن هذا النموذج مكن من تجاوز حالات التأخير، والحفاظ على استمرارية تدفق البضائع، حيث تصل الشحنات من آسيا إلى ميناء جبل علي، ثم تُنقل جواً عبر مطارات دبي إلى أوروبا، ما يوفر وقتاً ثميناً ويجنب المرور من خلال نقاط الاختناق.

وأوضح بن دميثان أن تداعيات التوترات في منطقة البحر الأحمر كانت واسعة النطاق، إذ اضطرت السفن بين أوروبا وآسيا إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، وهو مسار أطول بنحو 4000 ميل بحري، ويضيف 15 يوماً إلى زمن الرحلة.

ومنذ أواخر عام 2023، تجاوز عدد السفن التي تجنبت قناة السويس 6600 سفينة، مفضلة هذا الطريق البديل لتقليل المخاطر.

وفي مايو الماضي، هبطت حركة العبور في القناة إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد، مع أقل من 100 سفينة فقط، في حين تراجعت حركة السفن من الصين إلى موانئ جنوب كاليفورنيا بنسبة تقارب 44% في الأسبوع الأول من مايو مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، قبل أن تعود إلى الارتفاع في يونيو إثر تخفيف الرسوم الجمركية.

استثمارات كبيرة

وقال بن دميثان: «إن الإنجازات التي حققتها دبي، والإمارات بشكل عام، كانت نتيجة استثمارات كبيرة ضختها في قطاع الخدمات اللوجستية، ضمن إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط»، لافتاً إلى أن قيمة سوق الشحن والخدمات اللوجستية في الدولة تصل إلى نحو 20 مليار دولار عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 28 مليار دولار بحلول عام 2029.

وأضاف أن استثمارات دبي في مشاريع البنية التحتية، مثل «ممر دبي اللوجستي» الذي يربط بين ميناء جبل علي ومطار آل مكتوم الدولي، أسهمت في تقليص زمن النقل بين البحر والجو من أربع ساعات إلى أقل من ساعة، ما أدى إلى مضاعفة كفاءة المدينة اللوجستية إلى أربع مرات، لتؤكد بذلك مكانتها محوراً استراتيجياً يربط الشرق بالغرب.

ومع الخطط الطموحة لافتتاح أكثر من 400 ممر تجاري جديد مع مدن في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، فإن الفرص المتاحة تبدو واعدة على نحو غير مسبوق لتعزيز نفوذ دبي التجاري.

وتوقع بن دميثان أن تتسارع وتيرة النمو، خاصة مع إطلاق «المجلس الإماراتي للتكامل اللوجستي»، والخطط التي أقرت أخيراً رفع قيمة قطاع الخدمات اللوجستية في الدولة إلى 200 مليار درهم (ما يعادل 54.45 مليار دولار) سنوياً خلال الأعوام السبعة المقبلة.

وعن كيفية تمكن القطاع الخاص من اغتنام الفرص المتاحة لبناء سلاسل توريد تتميز بسرعة الاستجابة للمتغيرات، أوضح أنه خلال العام الماضي برز نموذج الربط الهجين بين الشحن البحري والجوي كـ«شريان حياة» حقيقي للشركات، مستشهداً بتجربة «دي بي ورلد» خلال اضطرابات البحر الأحمر، حيث نجحت الشركة في إعادة توجيه أكثر من 2000 طن متري من البضائع من آسيا إلى أوروبا لمصلحة علامة أزياء أوروبية كبرى، إضافة إلى شحن أدوية وملابس جاهزة من باكستان والهند إلى الولايات المتحدة.

وأكد أن هذا الحل المتكامل، الذي يجمع بين الخدمات البحرية والجوية، أسهم في خفض أزمنة العبور وتقليص الانبعاثات بصورة ملحوظة، لتصبح المرونة التي يتيحها النهج متعدد الأنماط اليوم ميزة تنافسية حاسمة في إدارة سلاسل التوريد.

وقال: «مع استمرار توسع هذه البنية التحتية متعددة الأنماط، سيتعاظم دور مزودي الخدمات اللوجستية من الأطراف الخارجية في ضمان تدفق التجارة، وبناء سلاسل توريد محصنة ضد الأخطار.

وسيؤدي نموذج الخدمات اللوجستية المرتكزة على الموانئ الذي يربط بين التخزين والتوزيع والخدمات ذات القيمة المضافة في مرافق الموانئ، دوراً محورياً في تمكين الشركات من التعامل مع تعقيدات الحدود».

وأضاف: «مع اقتراب إطلاق مشروع قطارات الاتحاد، يجب النظر إلى الإمكانات الهائلة لشبكات السكك الحديد في دعم التجارة الإقليمية وتعزيز المرونة».

ومثلا، أطلقت موانئ دبي العالمية في الهند عام 2023 خدمة «سارال» (شحن لوجستي مستدام ومرن)، وهي خدمة تعتمد على السكك الحديد وتقدم حلولاً شاملة من الباب إلى الباب، وتربط غرب الهند بأسواق الشمال.

وتضم الشبكة نحو 65 قطاراً و14000 حاوية، و7 محطات شحن خاصة مرتبطة بالسكك الحديد، ما أسهم في إنشاء شبكة نقل متعددة الأنماط حسب الطلب، تُعزز كفاءة حركة البضائع.

وقد توسعت هذه الخدمة العام الماضي لتشمل خطاً جديداً يربط بين شمال البلاد وجنوبها عبر قطارات يومية بسعة 500 حاوية نمطية أسبوعياً.

وإذا ما تم تطبيق نموذج مماثل في المنطقة، سيفتح ذلك آفاقاً جديدة لتعزيز الجاهزية والتكامل في البنية التحتية الإقليمية، ودفع عجلة التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي».

وأضاف: «ما يزال التحدي الأكبر في الخدمات اللوجستية متعددة الأنماط يتمثل بغياب التتبع اللحظي بين وسائط الشحن المختلفة.

وغالباً ما تكون معلومات الشحنة موزعة على منصات متعددة، ما يضطر الشركات إلى البحث بأنظمة عدة لتتبع مسار الشحنة.

وتسعى منصاتنا اللوجستية لسد هذه الفجوة، عبر توفير رؤية لحظية للشحنات متعددة الأنماط من نقطة الانطلاق إلى وجهتها النهائية، مع ضمان تكامل سلس بين طرق الشحن البحري والجوي عبر ميناء جبل علي ومطارات دبي، ما يسهم في الحد من التأخيرات وتزويد المتعاملين بالمعلومات اللازمة لتكيف سريع مع المتغيرات».

وقال: «في ظل تسارع التغير المناخي وتصاعد حالة عدم اليقين الجيوسياسي، يكمن مستقبل التجارة العالمية في إعادة رسم ملامح سلاسل التوريد.

ويجب أن يكون الابتكار والمرونة والاستدامة أساساً لهذا التحول، حتى تواصل دبي رحلتها نحو ترسيخ دعائم النمو المستدام لقطاعها التجاري واللوجستي».