تغرد الإمارات خارج سرب «حرب التعريفات الجمركية» العالمية الجديدة، التي أقرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والرسوم الصينية التي ردت بكين بها على واشنطن.
وسيكون تأثير الرسوم الجمركية المفروضة على الإمارات بنسبة 10% فقط إيجابياً على الدولة، حيث ستكون الإمارات وجهة لأغلب دول العالم بهدف تصدير سلعها إلى السوق الأمريكي.
ومن المتوقع أن تستفيد الدول التي ترتبط مع الإمارات باتفاقيات شراكة شاملة من موقع الدولة والرسوم الجمركية المنخفضة، والبنية التحتية، واحتضانها العديد من الشركات العالمية، لتصدير منتجاتها إلى السوق الأمريكي.
وتتمتع الإمارات بمعدلات رسوم جمركية منخفضة على الواردات، كما أن الولايات المتحدة تفرض عليها تعريفات أساسية فقط، ما يعزز من فرص إعادة التوجيه من هذه الدول.
هذا بالتحديد ما بدأ يظهر على الساحة العالمية حالياً، حيث بدأ عدد من المصدرين الهنود في قطاعات صناعية رئيسية بدراسة إعادة توجيه شحناتهم إلى الولايات المتحدة عبر دول ذات تعريفات جمركية أساسية مثل الإمارات، في ظل التغيرات الأخيرة في السياسات التجارية العالمية.
وأوضح ك. أونيكريشنان، المدير العام المساعد في اتحاد منظمات التصدير الهندية FIEO، أن الإمارات تعد مركزاً تجارياً عالمياً مهماً، كما أن هناك العديد من الشركات الهندية التي تمتلك منشآت تصنيع في الدولة.
وأضاف: «بما أن الهند ترتبط باتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع الإمارات، تخطط الشركات الهندية إلى توجيه منتجاتها إلى الولايات المتحدة عبر الإمارات». وأشار إلى أن العديد من هذه الشركات كانت بالفعل تصدّر منتجات مصنّعة في الإمارات إلى أفريقيا والولايات المتحدة وأوروبا، والآن يمكنها استخدام المسار نفسه لتصدير السلع المصنوعة في الهند أيضاً.
لماذا الإمارات؟
وعلى الرغم من الرسوم الأمريكية على الإمارات التي تصل نسبتها إلى 10%، وهي تماثل تلك المفروضة على عدد من دول المنطقة، إلا أن الإمارات تختلف عن غيرها، باعتبارها من أهم المراكز اللوجستية والتجارية في العالم، حيث تميزت بكونها محوراً رئيسياً لإعادة تصدير السلع والمنتجات بفضل موقعها الاستراتيجي، وبنيتها التحتية المتطورة تكنولوجياً، وسياساتها الاقتصادية المنفتحة؛ لذلك تلعب عمليات إعادة التصدير دوراً حيوياً في تعزيز الاقتصاد الوطني، ما يجعل الدولة منصة عالمية للتجارة بين الشرق والغرب.
فالإمارات تقع في قلب العالم، بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، ما يجعلها نقطة عبور مثالية للسلع المتجهة إلى الأسواق العالمية، كما أنها قريبة من الأسواق الناشئة في الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية، الأمر الذي يعزز دورها في التجارة الدولية، كما تتمتع ببنية تحتية متطورة، حيث تمتلك موانئ بحرية تعد من بين الأفضل عالمياً، مثل ميناء جبل علي، كما تمتلك مطارات دولية متقدمة، مثل مطار دبي الدولي، الذي يصنف من أكثر المطارات ازدحاماً في حركة الشحن الجوي، فضلاً عن شبكة طرق ووسائل نقل متكاملة تسهل حركة البضائع داخلياً وخارجياً.
ويعد ميناء جبل علي شرياناً رئيسياً للتجارة العالمية، حيث يوفر خدمات لوجستية متكاملة، تسهّل عملية الشحن والتفريغ والنقل من الأسواق المختلفة وإليها، وأصبح حلقة وصل حيوية بين مختلف الأسواق العالمية. كذلك توفر المناطق الحرة، مثل «جافزا» و«ميناء خليفة»، حوافز ضريبية استثنائية، وتملكاً أجنبياً يصل إلى 100%، فضلاً عن قوانين تجارية مرنة مع سهولة كبيرة في إجراءات التخليص الجمركي، إضافة إلى عدم وجود ضرائب على الواردات أو الصادرات في معظم المناطق. ومن بين أسباب تفرد اقتصاد الإمارات هو تنوع الشركاء التجاريين، حيث نجحت الدولة في عقد العديد من اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة مع مختلف دول العالم، التي بدورها تساعد على تعزيز التبادلات التجارية ودعم الاقتصاد الوطني.
ويعد استمرار تصنيف دولة الإمارات من بين أبرز المراكز الرئيسية في تجارة السلع الدولية شاهداً قوياً على المرونة التي تتمتع بها الدولة في مواجهة التحديات، ودليلاً دامغاً على الرؤية الطموحة لقيادتنا الرشيدة التي تقود مسار نمونا بخطى واثقة. كما أن الموقع الاستراتيجي لإمارة دبي، وبنيتها التحتية المتطورة، وسياساتها الداعمة للأعمال، تجعلها وجهة جاذبة تستقطب الشركات والمستثمرين من جميع أنحاء العالم.
وحلت الإمارات ضمن قائمة الـ35 دولة التي تمتلك أكبر الأساطيل البحرية العالمية من حيث الأوزان والحمولات، وفقاً لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد» لعام 2024.
ويشكل ميناء جبل علي ركيزة أساسية في قطاع النقل والخدمات اللوجستية في دبي، الذي يعد ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي للإمارة في عام 2023، حيث حقق القطاع نمواً لافتاً بنسبة 9.2%، تبعه توسع بنسبة 5.6% في الربع الأول من عام 2024، ما يعكس دوره المحوري في تعزيز اقتصاد دبي المتنامي.
ويعتبر ميناء جبل علي البوابة الرئيسية لأكثر من 80 خدمة ملاحة أسبوعية تربط أكثر من 150 ميناء حول العالم.
فرصة للمنتج المحلي
وستخضع شحنات إعادة التوجيه لفحص صارم بموجب قوانين قواعد المنشأ؛ إذ تطلب الولايات المتحدة من معظم الدول التي ترتبط معها باتفاقيات تجارية تفضيلية أن يتضمن المنتج 40 ـ 50% من المحتوى يكون مصنّعاً محلياً في دولة المنشأ، ويشكل تحديد هذه النسبة تحدياً كبيراً أمام سلطات الجمارك الأمريكية، وتعد هذه ميزة يجب استغلالها جيداً في الإمارات، لزيادة المنتج المحلي، وزيادة انتشار الصناعة الإماراتية عالمياً، وسط توقعات باستقطاب مزيد من الشركات والمصانع لزيادة الإنتاج في الإمارات.
التجارة الإلكترونية
من جهة أخرى، يسعى المصدرون الهنود بشكل متزايد إلى استخدام التجارة الإلكترونية لشحن بضائعهم إلى السوق الأمريكية.
وقال سانجاي جاين، رئيس اللجنة الوطنية للمنسوجات في غرفة التجارة الهندية: «البضائع التي يقل سعرها عن 800 دولار يُسمح بدخولها إلى السوق الأمريكية دون رسوم جمركية، وبحد أدنى من الفحص».
وأشار إلى أن شركات صينية مثل «شي إن» و«تيمو» قد استفادت بالفعل من هذا المسار لتوسيع حضورها في السوق الأمريكية.
ورغم أن قيمة صادرات الهند عبر التجارة الإلكترونية لا تتجاوز حالياً 4 - 5 مليارات دولار، إلا أن هذا المسار مرشح للنمو خلال الفترة المقبلة، خصوصاً نحو السوق الأمريكية.
تجارة الإمارات الخارجية
وواصلت التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات مسارها الصاعد الذي كانت قد بدأته منذ سنوات، لتحقق في نهاية 2024 قمة تاريخية جديدة وغير مسبوقة في تاريخ الدولة بملامستها مستوى 3 تريليونات درهم، وتحديداً 2 تريليون و997 مليار درهم (815.7 مليار دولار) بنمو 14.6% مقارنة مع عام 2023، وتأتي نسبة النمو القياسية في التجارة الإماراتية خلال 2024 لتتفوق بشكل كبير على نظيرتها المسجلة في حركة التجارة العالمية.
وحققت التجارة الخارجية غير النفطية نمواً بنسبة 10% مع أهم 10 شركاء تجاريين عالميين للدولة، وزيادة بنسبة 19.2% مع باقي الدول خلال 2024 مقارنة مع 2023، وجاء استمرار انتعاش التجارة الخارجية الإماراتية وتحقيقها معدلات نمو غير مسبوقة، بفضل الزيادة القياسية في صادرات السلع غير النفطية التي بلغت 561.2 مليار درهم في نهاية 2024، بنسبة نمو تجاوزت 27.6% مقارنة 2023، وهو ما أدى إلى زيادة مساهمتها إلى 18.7% من تجارة الإمارات غير النفطية خلال 2024، مرتفعة من 16.8% في 2023 وما نسبته 14.1% فقط خلال 2019.
وحققت الصادرات غير النفطية مع أهم 10 شركاء تجاريين للدولة نمواً بنسبة 37.1%، وباقي الدول نمواً بنسبة 13.4%.
جني ثمار الشراكات
وواصلت الصادرات الإماراتية من السلع غير النفطية جني ثمار برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، حيث بلغ إجماليها مع الدول التي دخلت الاتفاقيات معها حيز التنفيذ 135 مليار درهم بنمو قياسي 42.3%، وبحصة نسبتها 24% من إجمالي الصادرات غير النفطية.
وشكل الذهب والمجوهرات والسجائر والزيوت النفطية والألمنيوم وأسلاك النحاس والمطبوعات والعطور والصناعات الحديدية أهم صادرات الدولة خلال 2024، والتي حققت نمواً إجمالياً بنسبة 40.8% بالمقارنة مع 2023، في حين زادت باقي السلع بنسبة 1%.
وسجلت قيمة عمليات إعادة التصدير 734.4 مليار درهم خلال 2024 بنسبة نمو 7.3% مقارنة مع 2023، وبزيادة أكبر بنسبتي 14.1%، و36.2% بالمقارنة مع عامي 2021 و2022 على التوالي، وبلغت واردات الإمارات من السلع غير النفطية تريليوناً و701 مليار درهم في 2024 بنسبة نمو 14.2% بالمقارنة مع 2023، وزادت من أهم 10 شركاء تجاريين للدولة بنسبة 6.7%، وباقي الدول 22.3%.
وخلال عام 2024، ارتفعت الواردات الإماراتية من معظم الأسواق الرئيسية، وضمت قائمة أهم السلع المستوردة نمواً الذهب، وأجهزة الهاتف، والزيوت النفطية، والسيارات، والحلي والمجوهرات ومصنوعاتها، والألماس، وأجهزة الحاسوب.
توقعات باستفادة البلدان المرتبطة باتفاقيات شراكة أو تجارة حرة مع الإمارات
