كشفت أحدث بيانات مركبة جونو التابعة لوكالة ناسا أن كوكب المشتري، العملاق الغازي الأكبر في نظامنا الشمسي، أصغر حجمًا وأكثر تسطحًا عند القطبين مما كان يُعتقد منذ أكثر من أربعة عقود، هذه النتائج تمثل أدق قياسات للكوكب منذ بعثتي فوييجر وبايونير في السبعينيات والثمانينيات، وقد أعادت صياغة فهم العلماء لشكل وحجم هذا العملاق الغازي الذي لطالما أثار فضول البشرية.
تُعد عملية قياس حجم المشتري أكثر تعقيدًا من قياس كواكب صلبة مثل الأرض، إذ يفتقر إلى سطح ثابت يمكن الاعتماد عليه. لذلك، يعتمد العلماء على الغلاف الجوي للكوكب عند مستوى ضغط قياسي يبلغ واحد بار، وهو مستوى يعادل تقريبًا الضغط عند سطح الأرض.
قياسات سابقة أظهرت تقديرات تقريبية للقطر والتسطح القطبي، لكن البيانات الحديثة من جونو تشير إلى أن قطر الكوكب عند هذا المستوى أقل بحوالي 8 كيلومترات مما كان يُعتقد سابقًا، بينما يظهر التسطح القطبي أكثر وضوحًا نتيجة الدوران السريع للمشتري، الذي يكمل دورة كاملة خلال أقل من عشر ساعات.
قد تبدو هذه الاختلافات صغيرة بالنسبة للبشر، لكنها كبيرة جدًا على المقاييس الكوكبية، إذ تؤثر مباشرة على نماذج دوران الغلاف الجوي، توزيع الكتل، وشدة المجال المغناطيسي للكوكب. كما تلعب دورًا مهمًا في فهم تأثيرات المد والجزر على أقمار المشتري، خاصةً آيو البركاني وأوروبا الجليدي، اللذين يُعتبران نموذجيْن مهميْن لدراسة النشاط الجيولوجي والحياة المحتملة خارج الأرض، وفقا لـ " dailygalaxy".
إضافة إلى ذلك، يُعد المشتري نموذجًا أساسيًا لدراسة الكواكب الغازية العملاقة خارج نظامنا الشمسي. أي تعديل في أرقام حجمه وشكله يُمكن أن يُحدث تغييرات جوهرية في فرضيات تشكّل هذه الكواكب ونموها، ويساعد العلماء على تطوير نماذج أكثر دقة لكيفية تكوّن الكواكب الغازية العملاقة، سواءً في نظامنا الشمسي أو في أنظمة نجمية بعيدة.
حتى الملاحة الفضائية تتأثر بهذه التفاصيل. فرغم أن فارق 8 كيلومترات يبدو ضئيلاً، إلا أن دقة تحليق المركبات الفضائية بالقرب من المشتري أو دخولها مداراته تتطلب حسابات دقيقة للغاية. لذلك، فإن أي تحديث في أبعاد الكوكب يمكن أن يُغير خطط بعثات مستقبلية ويُحسن من أمانها وكفاءتها.
مهمة جونو، التي انطلقت عام 2016 وتم تمديدها حتى عام 2025 وربما بعد ذلك، مستمرة في تقديم رؤى غير مسبوقة حول المشتري. المركبة تقترب في كل مدار من الكوكب أكثر فأكثر، وتجمع بيانات عن الغلاف الجوي، المجال المغناطيسي، الأضواء القطبية، وحتى باطن المشتري. كل دورة تكشف للعلماء تفاصيل جديدة، وتؤكد أن العملاق الغازي ليس أكبر وأكثر كروية مما اعتقدنا، بل إنه أكثر تعقيدًا وإثارة مما كنا نتصور.
توضح بيانات جونو أن الدوران السريع للمشتري لا يقتصر تأثيره على التسطح القطبي فقط، بل يولد أيضًا أنماطًا معقدة في الغلاف الجوي، تشمل نطاقات عريضة من الرياح السريعة والعواصف الهائلة، أبرزها "البقعة الحمراء العظيمة"، وهي عاصفة ضخمة أكبر من الأرض استمرت لمئات السنين. كما تساعد هذه البيانات في دراسة الديناميكيات الداخلية للكوكب، وفهم كيفية انتقال الحرارة من الداخل إلى الغلاف الخارجي، وما إذا كان هناك لب صلب في مركزه أم أن المواد تتدرج تدريجيًا من الغاز إلى السائل المعدني.
علماء الكواكب يعتبرون المشتري مرآة لفهم تطور الكواكب الغازية العملاقة في الكون. من خلال دراسة هذا الكوكب، يمكنهم استنتاج كيفية تشكّل الغاز والهيدروجين والهيليوم وتوزيعها، بالإضافة إلى فهم تأثير الكواكب العملاقة على استقرار مدارات الكواكب الأصغر، بما في ذلك الأرض. هذا يجعل من المشتري حجر زاوية في الأبحاث الفلكية والنماذج النظرية للكواكب الخارجية.
حتى على صعيد البعثات الفضائية المستقبلية، يلعب المشتري دورًا محوريًا. بيانات دقيقة عن حجمه وتوزيع كتلته تساعد في تخطيط الرحلات إلى أقماره، مثل بعثات الاستكشاف المستقبلية إلى أوروبا لاستكشاف محيطها الجليدي، أو إلى آيو لدراسة النشاط البركاني. أي خطأ في تقدير أبعاد المشتري قد يؤدي إلى تحييد دقيق في المدارات، مما يبرز أهمية البيانات الجديدة لجونو.
ماذا تعرف عن كوكب المشتري؟
المشتري هو أكبر كواكب النظام الشمسي، يبلغ قطره حوالي 140 ألف كيلومتر، ويحتوي على أكثر من ضعفي كتلة جميع الكواكب الأخرى مجتمعة. يدور بسرعة كبيرة حول محوره، ويكمل يومه في أقل من عشر ساعات، مما يخلق فرقًا ملحوظًا بين القطبين والاستواء. غلافه الجوي غني بالهيدروجين والهيليوم، ويتميز بعواصف ضخمة ورياح تصل سرعتها لمئات الكيلومترات في الساعة، بالإضافة إلى البقعة الحمراء العظيمة الشهيرة. يمتلك المشتري نظامًا معقدًا من الأقمار، حيث يبلغ عددها المؤكد أكثر من 95 قمرًا، أشهرها آيو وأوروبا وجانيميد وكاليستو، والتي تعد أهدافًا رئيسية للبحث عن الحياة والنشاط الجيولوجي. كما يمتلك مجالًا مغناطيسيًا قويًا جدًا، يفوق مجال الأرض بما يقارب 20 ألف مرة، ما يجعله مصدرًا رئيسيًا للإشعاعات الكونية المحيطة بالكوكب.
كوكب المشتري ليس مجرد عملاق غازي هائل، بل هو مختبر طبيعي لفهم الفيزياء والكيمياء الفلكية، نموذج لفهم الكواكب الخارجية، ومرجع رئيسي للعلماء لفهم النظام الشمسي بأكمله.



