نجح ليزر حلقي ألماني في قياس الاهتزاز الدقيق لمحور الأرض، متجاوزًا بذلك علم الفلك الراديوي التقليدي، وفتح الأبواب أمام اختبار نظرية النسبية لأينشتاين من الأرض.
قاد الدراسة الجديدة علماء من جامعة ميونيخ التقنية وجامعة بون، والتي تمكنت من قياس التذبذب الدقيق لمحور الأرض دون استخدام شبكات علم الفلك الراديوي المعقدة وفق ديلي جالاكسي.
نُشرت هذه الدراسة في مجلة "ساينس أدفانسز"، وتعتمد على نظام ليزر حلقي عالي الدقة في المرصد الجيوديسي التابع لجامعة ميونيخ التقنية في فيتزل ، بافاريا، مما يوفر دقةً ودقةً زمنيةً غير مسبوقتين، قد تُغيران طريقة نمذجة حركة الكواكب، بل وتختبران نظرية النسبية لأينشتاين.
مشكلة عمرها قرن من الزمان
لا تدور الأرض بشكل مثالي حول محورها، بل تخضع لسلسلة من الانحرافات الدقيقة والمعقدة، والتي تنتج عن تفاعلات الجاذبية وشكل الكوكب غير المتماثل.
كان قياس هذه التقلبات يتطلب قياس التداخل الأساسي طويل المدى (VLBI)، وهي طريقة تتضمن استخدام مصفوفات كبيرة من التلسكوبات الراديوية عبر القارات، وتستغرق أياماً أو حتى أسابيع لمعالجة البيانات.
الآن، قدّم فريق جامعة ميونخ التقنية حلاً أرضياً مدمجاً جيروسكوب ليزر حلقي متطور، مُثبّت تحت الأرض في بافاريا، على مدار 250 يوماً متتالياً، تتبّع هذا النظام باستمرار التغيرات المحورية للأرض بدقة تقل عن ساعة، وتتجاوز هذه الدقة الزمنية بكثير أي دقة سابقة تم تحقيقها باستخدام تقنية قياس التداخل طويل الأمد (VLBI)، حيث تصل البيانات عادةً بدقة يومية.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة البروفيسور ك. أولريش شرايبر ، من معهد الهندسة للجيوديسيا الفلكية والفيزيائية التابع لجامعة ميونخ التقنية: "لقد أحرزنا تقدماً كبيراً في قياس الأرض، ما يمكن أن يفعله ليزرنا الحلقي فريد من نوعه عالمياً، دقتنا أعلى بمئة مرة مما كانت عليه سابقًا باستخدام الجيروسكوبات أو غيرها من ليزرات الحلقات، وهو يساعد على فهم ونمذجة نظام الأرض بدقة عالية بشكل أفضل".
تبدو الأرض ككرة مستقرة تدور، لكن على المقاييس الكونية، تُؤدي رقصة باليه معقدة، لا يبقى المحور ثابتًا؛ بل يرسم مسارات معقدة في السماء - حركة تُحركها عدة قوى متفاعلة. أكبر هذه القوى هي حركة المبادرة، الناتجة عن انتفاخ الأرض الاستوائي، مما يجعل الكوكب يبدو ككرة مضغوطة قليلاً بدلاً من كرة مثالية، ونتيجة لذلك، يرسم المحور حركة مخروطية في السماء على مدى فترة زمنية تُقدر بـ 26,000 عام .
ثم هناك التذبذب، الذي ينشأ من قوى الجذب التي يسببها القمر والشمس، والتي تتقارب أحيانًا لتقوي بعضها البعض، وأحيانًا أخرى تتعارض.
تُحدث هذه التفاعلات تذبذبات بفترات زمنية تتراوح بين 18.6 سنة وتغيرات يومية، بل وحتى كل ساعة، والنتيجة النهائية هي نمط غير متجانس ومتعدد الطبقات من الحركة المحورية، والذي يمكن قياسه الآن بدقة مذهلة.
كيف يعمل الليزر الحلقي؟
يعمل الليزر عن طريق إرسال حزم ضوئية في اتجاهين متعاكسين حول حلقة مغلقة، عندما يدور الجهاز - حتى بدرجات متناهية الصغر - يتغير التداخل بين هذه الحزم، كاشفاً عن الحركة الدورانية، صُمّم ليزر حلقة ويتزل بدقة هيكلية وبصرية عالية تُمكّنه من اكتشاف التقلبات بحساسية تفوق أي جيروسكوب أرضي موجود.
ما يجعل هذا النظام أكثر ثورية هو قدرته على رصد جميع المكونات الرئيسية للتغير المحوري للأرض وهذا لا يقلل الاعتماد على شبكات التلسكوبات الراديوية العالمية فحسب، بل يُتيح أيضاً إمكانية الوصول إلى قياسات جيوفيزيائية عالية الدقة، مما يفتح الباب أمام رصد حركة الأرض بشكل أكثر تواتراً وبتكلفة أقل.
في المستقبل سيكون النظام قادراً على الكشف المباشر عن تأثيرات تباطؤ الإطار النسبي، مثل تأثير لينس-ثيرينغ ، حيث يُشوّه دوران الأرض نسيج الزمكان المحيط بها، سيُمثّل ذلك إنجازاً تاريخياً في الاختبارات الأرضية لنظرية النسبية العامة لأينشتاين .
التأثيرات
توفر قياسات الليزر مرجعًا مُحسّنًا لفهم الصفائح التكتونية، وتغيرات مستوى سطح البحر، وديناميكيات نواة الأرض ووشاحها، أما بالنسبة لأنظمة الملاحة، فإن التتبع الدقيق للغاية لاتجاه الأرض في الوقت الفعلي يُمكن أن يُعزز توجيه الصواريخ بعيدة المدى، ومعايرة الأقمار الصناعية، وتخطيط البعثات بين الكواكب.

