في تطور مثير للجدل في مجال الهندسة المناخية، كُشف مؤخرا عن مشروع سري كان يهدف إلى حجب جزء من أشعة الشمس عن الأرض، بتمويل من مليارديرات وأبرز العلماء، بعد أن أُجبر على التوقف بشكل مفاجئ في مدينة ألاميدا بولاية كاليفورنيا.
المشروع، الذي نفذه باحثون من جامعة واشنطن بالتعاون مع مؤسسة SRI International غير الربحية ومنظمة SilverLining البيئية، كان يقوم على تجربة لتفتيح السحب عبر رش رذاذ من مياه البحر في الغلاف الجوي، بهدف عكس جزء من أشعة الشمس وتقليل الاحترار العالمي، في خطوة تندرج ضمن تقنيات «إدارة الإشعاع الشمسي».
ورغم أن التجربة لم تستمر سوى 20 دقيقة قبل أن توقفها السلطات المحلية بدعوى عدم إبلاغها المسبق، فإن الوثائق التي حصلت عليها منصتا Politico وFuturism كشفت عن خطط لتوسيع نطاقها إلى مساحة تبلغ نحو 3900 ميل مربع — أي ما يعادل مساحة بورتو ريكو — في عرض المحيط قبالة سواحل أمريكا الشمالية أو تشيلي أو إفريقيا الجنوبية، وفقا لموقع dailygalaxy.
أظهرت الوثائق أن المشروع حظي بدعم مالي من شخصيات بارزة، من بينهم ملياردير العملات الرقمية كريس لارسن وراشيل بريتزكر ومؤسسات خيرية مرتبطة بمؤسس «إنتل» غوردون مور، مع تقديرات بتكلفة تتراوح بين 10 و20 مليون دولار. كما تضمنت الخطط استخدام طائرات وسفن حكومية أمريكية في المراحل المتقدمة من المشروع.
لكن تصاعد الجدل السياسي حول الهندسة المناخية، إلى جانب إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب، أدى إلى فتور الدعم الحكومي الفيدرالي للمشاريع المثيرة للجدل من هذا النوع. وبحلول منتصف عام 2024، ألغت مدينة ألاميدا رسميا ترخيص المشروع بسبب «انتهاكات لعقد إيجار موقع التجربة» وغياب «التشاور مع المجتمع المحلي».
انقسام علمي ومخاوف عامة
وتثير فكرة «تعتيم الشمس» انقساما حادا داخل الأوساط العلمية. فبينما يرى بعض الخبراء ضرورة دراسة هذه التقنيات كحل أخير لمواجهة التغير المناخي، يحذر آخرون من مخاطر غير متوقعة تشمل اضطراب أنماط الطقس والزراعة والنظم البيئية.
وفي عام 2023، وقع أكثر من 575 عالما رسالة تدعو إلى حظر عالمي لتطوير تقنيات الهندسة الشمسية، محذرين من «صدمة التوقف» — وهي ظاهرة ارتفاع حاد في درجات الحرارة قد تحدث إذا توقفت مشاريع تعتيم الشمس فجأة قبل معالجة أسباب الاحتباس الحراري.
وقالت سارة دوهيرتي، عالمة المناخ وقائدة الفريق البحثي، إن التجربة في ألاميدا «لم تكن تهدف إلى تغيير الطقس أو المناخ»، بل لاختبار قدرة الأجهزة على العمل في ظروف واقعية. غير أن بعض الخبراء، مثل دانييلي فيزوني من جامعة كورنيل، اعتبروا أن الفريق «أساء تقدير أهمية الشفافية في مشروع بهذا الحجم».
تصاعد نظريات المؤامرة وتغيّر المشهد السياسي
يأتي الجدل حول المشروع في وقت تتصاعد فيه نظريات المؤامرة المرتبطة بالهندسة المناخية في الولايات المتحدة. فقد ألقت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين باللوم على «تعديل الطقس» في فيضانات ولاية تكساس الأخيرة، فيما وقع حاكم فلوريدا رون ديسانتيس قانونا يحظر أي إطلاق لمواد كيميائية في الغلاف الجوي بقصد التأثير في الطقس أو درجة الحرارة.
وفي محاولة لمواجهة هذه المزاعم، أصدرت وكالة حماية البيئة الأمريكية في يوليو الماضي تقريرا يفند ما يُعرف بـ«أسطورة الكيمتريل» مستندا إلى عقود من البيانات العلمية، إلا أن الضرر الذي ألحقته السرية المحيطة بالمشروع بدا واضحا في الرأي العام.
يُذكر أن مشروعا مشابها لتعتيم الشمس في القطب الشمالي السويدي (SCoPEx) كان قد أُلغي عام 2021 بعد احتجاجات من جماعات السكان الأصليين والبيئيين، قبل أن يتم التخلي عنه نهائيا العام الماضي.
