53 دقيقة على كوكب الزهرة.. فينيرا 9 تبهر البشرية بأولى الصور ثم تنهار


في عام 1975، تمكنت المركبة السوفييتية فينيرا 9 من البقاء على سطح كوكب الزهرة لمدة 53 دقيقة فقط قبل أن تنهار تحت وطأة الظروف القاسية للكوكب، لكنها نجحت في إرسال أولى الصور المباشرة للبشرية من عالم طالما اكتنفه الغموض. وقد مثّلت هذه الصور نقطة تحول في علم الكواكب، موفرة نافذة نادرة على بيئة الزهرة العدائية والمليئة بالتحديات.

الحقيقة القاسية لتوأم الأرض

لطالما وُصف الزهرة بـ"توأم الأرض" لتشابهه في الحجم والتركيب، إلا أن بيئته تختلف تماماً. الغلاف الجوي الكثيف، المكوّن أساساً من ثاني أكسيد الكربون، يسبب ظاهرة الاحتباس الحراري الشديد، مما يرفع درجات الحرارة على السطح إلى حوالي 475 درجة مئوية، مع ضغط يزيد على ضغط الأرض بأكثر من 90 ضعفاً. إضافة إلى ذلك، تغطي الغيوم الحمضية سماء الكوكب، ما جعل تصوير سطحه مهمة شبه مستحيلة لعقود، لكن المهندسين السوفييت تغلبوا على هذه التحديات.

برنامج فينيرا المبكر

انطلق برنامج فينيرا في عام 1961 بمجموعة من المهام التجريبية لاختبار الهندسة والقدرات التقنية للسوفييت. فقدت فينيرا 1 الاتصال في رحلتها الأولى، وكانت فينيرا 3 أول مركبة تصطدم بكوكب آخر عام 1966 دون إرسال بيانات. جاء تقدم ملموس مع فينيرا 4 عام 1967، التي أرسلت قراءات الغلاف الجوي، ثم فينيرا 7 عام 1970، التي حققت أول هبوط ناعم وأرسلت بيانات السطح لمدة 23 دقيقة، تلتها فينيرا 8 بتحليل الصخور على السطح، ممهدة الطريق لإنجازات فينيرا 9 و10.

فينيرا 9

أُطلقت فينيرا 9 عام 1975 مجهزة بدروع معززة ونظام تبريد وأدوات مقاومة للضغط العالي. عند الهبوط، استخدمت المركبة كاميرا بانورامية بالأبيض والأسود لالتقاط أولى الصور المباشرة للسطح، كاشفة عن صخور متشققة تشبه الحمم البركانية. استمر الاتصال مع المسبار لمدة 53 دقيقة فقط قبل أن تقضي الحرارة والضغط على نظامه، لكنها تركت إرثاًعلمياً هائلاً.

فينيرا 10 وتوسيع التصوير

بعد أيام قليلة، هبطت فينيرا 10 مكررة النجاح، ملتقطة صورا بانورامية  إضافية بالأبيض والأسود تُظهر سطحا قاحلاً مليئاً بالصخور، مؤكدة أن مستويات الضوء على الزهرة تشبه يومًا غائمًا على الأرض. لم تقتصر المهمتان على الصور، بل وفرتا أيضًا قياسات أساسية للحرارة والضغط وتركيب السطح، موسعة فهم العلماء للكوكب المعقد.

الصور الملونة ورادار الزهرة

في عام 1981، أطلق السوفييت فينيرا 13 و14، اللتين قدّمتا أول صور بانورامية ملونة للسطح، مع تضاريس برتقالية متشققة تشبه البازلت. وفي 1983، استخدمت فينيرا 15 و16 راداراً عالي الدقة لرسم خرائط لنصف الكرة الشمالي، بينما أسهمت مهمتا فيغا عام 1984 في دراسة الغلاف الجوي والمواصلات نحو مذنب هالي. جميع هذه المهمات ظلت سوفيتية، لتكون الأربع مركبات الوحيدة التي صورت سطح الزهرة مباشرة في تاريخ البشرية، وفقا لـ "dailygalaxy".

إعادة بناء الزهرة

بعد عقود، أعاد العلماء دراسة بيانات فينيرا الخام لإنتاج صور أكثر وضوحاً، باستخدام أرشيفات وأدوات حديثة. قام الباحث تيد ستريك بإعادة بناء صور بانورامية دقيقة، بينما ساهم دون ب. ميتشل في تعميق فهم خصائص سطح الزهرة. هذه الجهود الحديثة تؤكد على قيمة برنامج فينيرا كنموذج نادر للمراقبة البشرية المباشرة لكوكب يرفض الاستكشاف بسهولة، مضيفاً وضوحاً جديداً للصور التاريخية النادرة.

فيديو