تجلّياتٌ حتميةٌ في فضاء التكنولوجيا، ترسخت كـ ثوابتَ جيولوجيةٍ تحكم تضاريس واقعنا المتغير؛ فجولات "تايلور سويفت" الغنائية ستحصد مبيعات قياسية لا محالة، وعقارات كاليفورنيا ستظل في تصاعد مستمر، بينما سيستمر "إيلون ماسك" في إثارة السجالات الشخصية عبر الفضاء الرقمي.
لكن بعيداً عن هذه الحتميات، تدور في أروقة "وادي السيليكون" صراعات تقنية أعادت صياغة ملامح النفوذ العالمي خلال الساعات الأخيرة؛ حيث قفزت تقييمات شركات تحليل البيانات إلى آفاق شاهقة.
في حين أطلقت "أوبن إيه آي" تحديثاً هجومياً لخدمة "تشات جي بي تي" يستهدف تقويض نقاط ارتكاز منافسيها، بينما تحاول "موزيلا" الانبعاث مجدداً من بوابة "استعادة الثقة" في خضم فوضى الذكاء الاصطناعي.
أحدثت شركة "داتابريكس" (Databricks)، المتخصصة في تحليل بيانات الذكاء الاصطناعي، دوياً في الأوساط المالية العالمية إثر إعلان رئيسها التنفيذي "علي غودسي" عن نجاح الشركة في استقطاب تمويل يتجاوز 4 مليارات دولار.
هذا الزخم التمويلي لم يعزز السيولة فحسب، بل دفع بتقييم الشركة إلى عتبة مذهلة بلغت 134 مليار دولار، ما يضعها في كفة متكافئة مع عملاق البرمجيات "أدوبي" في الأسواق المفتوحة.
وتمثل هذه القفزة انعطافة تاريخية للشركة التي كان تقييمها في أغسطس الماضي يقف عند 100 مليار دولار، بعد أن استهلت العام بتقييم لا يتعدى 62 ملياراً.
ورغم توجس المحللين من "تضخم" محتمل في قطاع الذكاء الاصطناعي، إلا أن الشركة تستند إلى تدفقات إيرادات ملموسة تجاوزت 4.8 مليار دولار في أكتوبر الماضي، وهو ما يعكس قوة نموذجها الربحي.
في وقت تترقب فيه الأسواق العالمية أي إشارة لعمليات طرح عام (IPO)، أبدى علي غودسي هدوءاً لافتاً وصفه المحللون بـ "البرود الاستراتيجي".
فعند سؤاله عن موعد إدراج الشركة في البورصة عام 2026، اكتفى بإجابة مقتضبة: "ربما"، دون أن يبدي أي اكتراث بضغوط المستثمرين.
هذا الثبات ينبع من حقيقة موثقة مفادها أن الشركة لا تحرق السيولة لمجرد النمو، بل تمتلك قاعدة عملاء من كبرى المؤسسات المالية والحكومية التي تعتمد على منصتها لإدارة البيانات الضخمة.
هذا الاستقرار المالي يمنح "داتابريكس" القدرة على المناورة بعيداً عن تقلبات أسهم التكنولوجيا، ويجعلها في وضع "المتحكم" لا "المندفع" نحو الأسواق العامة، مما يعزز ثقة الصناديق السيادية التي ضخت المليارات مؤخراً في خزينة الشركة.
تحديث "تشات جي بي تي" والمناورة المبطنة ضد عمالقة البحث على صعيد آخر، لم تكن "أوبن إيه آي" بمنأى عن حلبة التنافس، إذ دفعت بتحديث جوهري لخدمة "تشات جي بي تي" يستهدف تذليل عقبات إنشاء وتحرير الصور، وبسرعة تفوق الأجيال السابقة بأربعة أضعاف.
ورغم توخي البيان الرسمي الحذر بعدم ذكر "جوجل" أو نموذجها "جمناي" صراحة، إلا أن ملامح التحدي تبدو جلية في ثنايا الميزات الجديدة. فقد استُحدث قسم مستقل تحت مسمى "إنشاء صورة" يمنح المستخدمين نفاذاً مباشراً للنتائج دون تكلف عناء المحادثات النصية الطويلة.
كما بات بمقدور المستخدمين إجراء تعديلات بالغة الدقة على الصور المرفوعة، مثل محاكاة أنماط فنية معينة أو ضبط الإضاءة وتضمين نصوص توضيحية ببراعة فائقة، في مسعى جاد لتلافي العيوب السابقة التي شابت فهم النماذج للهوية البصرية أو دقة رسم النصوص.
بين "نانو بنانا" والواقعية: معضلة الذكاء الاصطناعي في تمييز المشاهير لا يتوقف التنافس عند حدود السرعة، بل يمتد إلى دقة التفاصيل البصرية التي أصبحت ساحة صراع بين "أوبن إيه آي" ونموذج جوجل الأحدث المعروف باسم "نانو بنانا" (Nano Banana).
وفي اختبارات عملية أجريت مؤخراً، ظهرت قدرة فائقة على محاكاة الأنماط الفنية المعقدة، إلا أن الذكاء الاصطناعي لا يزال يصطدم بـ "جدران حماية" أخلاقية صارمة؛ حيث يرفض النموذج تحديد هوية الشخصيات العامة والمشاهير بالاسم ،مثل الممثل "جوزيف جوردون ليفيت"، رغم قدرته على تمييز ملامحهم بدقة.
هذا التناقض يعكس الفجوة الحالية بين التطور التقني والضوابط القانونية التي تسعى الشركات لفرضها لتجنب أزمات التزييف العميق، وهي الثغرة التي تحاول شركات مثل "موزيلا" استغلالها.
رهان "موزيلا" على استرداد الموثوقية الرقمية وفي جبهة متصفحات الإنترنت، أعلنت "موزيلا" عن تنصيب "أنطوني إنزور ديميو" رئيساً تنفيذياً جديداً، في مهمة استثنائية لانتشال متصفح "فايرفوكس" من انحساره السوقي.
ويتمحور التحدي الجوهري أمام ديميو في قدرة المتصفح العريق على استرجاع بريقه بعد تآكل حصته السوقية لما دون 3% أمام سطوة "جوجل كروم".
ومع ذلك، يرى القائد الجديد في اضطراب المشهد الراهن سانحة ذهبية؛ إذ يؤكد أن العالم بات متعطشاً لشركة تقنية "مأمونة" وسط موجة انعدام اليقين التي خلفتها الخوارزميات غير الشفافة.
وتعتزم موزيلا تحت قيادته التحول إلى ركيزة في منظومة برمجية متكاملة تُعلي من شأن الخصوصية والنزاهة، سعياً لاستقطاب الجمهور الذي ضاق ذرعاً بالسياسات الضبابية لكبار الفاعلين في السوق التقني.
