في مفاجأة علمية تهز أسس الفيزياء التقليدية، تمكن علماء من تسخين الذهب إلى أكثر من 19,000 درجة مئوية — أي ما يزيد عن 14 ضعف درجة انصهاره — دون أن يفقد حالته الصلبة.
هذا الاكتشاف، الذي نشرته مجلة نيتشر، يقلب واحدة من أكثر النظريات رسوخاً في علم المواد، والمعروفة بـ"كارثة الإنتروبيا"، والتي ظلّت على مدى أربعة عقود تُمثّل الحد المقبول لاستقرار المادة عند درجات حرارة قصوى.
الدراسة الجديدة لم تكتفِ بتحدي النظرية القديمة، بل سجلت قياساً مباشراً لدرجة حرارة الأيونات داخل الذهب الصلب، وهو ما يفتح الباب أمام إعادة التفكير في حدود الاستقرار الحراري للمادة، مع انعكاسات محتملة على أبحاث الاندماج النووي، ودراسة الكواكب، وحتى هندسة المواد المستقبلية.
وقال توم وايت، الفيزيائي بجامعة نيفادا وأحد قادة البحث "كنا نظن أن قوانين الإنتروبيا تشبه إشارات المرور… هذه التجربة أثبتت أنها قد تكون مجرد إرشادات، إذا انطلقت بالسرعة الكافية".
تسخين خاطف بسرعة تفوق الخيال
التجربة أجريت في جهاز "المادة في الظروف القاسية" (MEC) باستخدام ليزر الأشعة السينية من مصدر الضوء المتماسك الخطي (LCLS). استُهدفت رقاقة ذهبية فائقة الرقة (50 نانومتر) بنبضة ليزر استمرت 45 فيمتو ثانية، ما أدى إلى معدلات تسخين تفوق 6×10¹⁵ كلفن/ثانية — أسرع بمراحل من أي تجربة سابقة.
وبينما توقع العلماء أن ينهار النظام البلوري فور تجاوز حد الإنتروبيا الكلاسيكي (عند نحو ثلاثة أضعاف درجة الانصهار)، أظهرت أنماط حيود الأشعة السينية استمرار البنية الذرية المنتظمة (قمتي براج 111 و200) حتى بعد بلوغ الذهب درجات حرارة حرجة، ولم تختفِ إلا بعد تريليونات من الثانية، معلنةً بداية الذوبان، وفقا لـ "dailygalaxy".
نهاية "كارثة الإنتروبيا"
هذا السلوك غير المتوقع يُثبت أن النماذج الكلاسيكية للإنتروبيا، التي صاغها فيشت وجونسون عام 1988، تفشل تحت ظروف التسخين الفائق السرعة. فالذرات لم تجد وقتاً كافياً للتفاعل مع الارتفاع الحراري المفاجئ، مما سمح للحالة الصلبة بالصمود في ظروف بدت مستحيلة.
انعكاسات كبرى
الاكتشاف ليس مجرد مفارقة مخبرية، بل يحمل تداعيات بعيدة المدى:
الاندماج النووي
يوفر وسيلة لقياس حرارة الأيونات بدقة تحت ظروف انفجارية تشبه باطن النجوم، وهو ما طالما اعتُبر عقبة أمام فهم عملية الاندماج.
علم الكواكب
قد يفسر سلوك المادة في أعماق نوى الكواكب العملاقة مثل المشتري، ويساعد في فهم آليات توليد مجالاتها المغناطيسية.
هندسة المواد
يقول كريستوف ناغلر أحد كبار الفيزيائيين في مركز الأبحاث الألماني DESY والمتعاون مع مختبر SLAC الأميركي "إنه إنجاز يغيّر قواعد اللعبة بالكامل".
ويضيف: "لأول مرة أصبح بإمكاننا أن نرى بدقةٍ مذهلة اللحظة الحرجة التي يبدأ فيها وقود الاندماج النووي بالذوبان داخل التجارب. هذه القدرة على الرصد الآني لم تكن ممكنة من قبل، وكانت تمثل فجوة معرفية ضخمة أمام أبحاث الاندماج. أما الآن، فبفضل هذه التقنية، نستطيع أن نفهم بوضوح أكبر متى وأين يحدث الانهيار في البنية الصلبة للمادة، وهو أمر جوهري لتحسين تصميم مفاعلات الاندماج المستقبلية."
