هذا المقال هو بداية سلسلة جديدة أشارك فيها رؤيتي وتجربتي في إدارة المستشفيات والقطاع الصحي، بعد رحلة انتقال غير تقليدية من القانون إلى قيادة أحد أكبر المستشفيات الخاصة في المنطقة.
الهدف من هذه السلسلة هو تسليط الضوء على ما لا يقال عادة في المؤتمرات أو التقارير الرسمية: لماذا تفشل بعض المستشفيات رغم أنها تمتلك أحدث المعدات، والكوادر المؤهلة، والدعم المالي الكافي؟ ما الذي يحدث في الكواليس؟ وكيف نعيد صياغة مفهوم النجاح في القطاع الصحي؟
الخلل لا يبدأ من الطاقم الطبي... بل من الإدارة
من واقع تجربتي فإن تدهور أداء المستشفى لا يكون دائماً بسبب نقص الموارد، بل بسبب طريقة إدارتها. في كثير من الحالات رأيت مؤسسات صحية تنزف من الداخل: من سوء التنظيم، غياب الرؤية، مقاومة التغيير، وقيادات إدارية لا تمتلك الشجاعة الكافية لاتخاذ قرارات صعبة، لكنها ضرورية.
غرف المرضى قد تكون مجهزة بأحدث التقنيات، لكن ما الجدوى إن كان التنسيق بين الأقسام ضعيفاً؟ أو إن كان الفريق الطبي يفتقر إلى الدعم الإداري؟ ما الفائدة من الأجهزة المتطورة إن كانت تستخدم بطريقة تقليدية لا تضيف قيمة حقيقية للمريض؟ هنا يكمن الخلل الحقيقي.
الأزمة في طريقة التفكير... ليس في نقص الإمكانات
المشكلة الأساسية أن كثيراً من إدارات المستشفيات ما زالت تعمل بعقلية تقليدية، تركز على الشكل أكثر من الجوهر، وعلى المؤشرات السطحية أكثر من النتائج الفعلية. هناك انفصال واضح بين الإدارة العليا وما يحدث فعلياً على الأرض، وبينما تتحدث الخطط الاستراتيجية عن «التميز» يعاني الطاقم من غياب الدعم، وضبابية الأهداف، وثقل الإجراءات.
إعادة بناء المستشفيات تبدأ من أعلى الهرم، الحل لا يكمن فقط في التدريب، أو زيادة الميزانيات، بل في إعادة صياغة مفهوم القيادة في القطاع الصحي. نحن بحاجة إلى نماذج جديدة من القادة: يفكرون بشكل استراتيجي، يتحركون بسرعة، يتواصلون بصدق، ويعرفون متى يقولون «لا» لما هو شائع إذا كان لا يخدم الهدف الأساسي: صحة المريض واستدامة المنشأة.
هذه ليست دعوة للثورة، بل للواقعية. مستقبل المستشفيات سيحدده من يملك الجرأة على مراجعة كل شيء: من طريقة التوظيف، إلى نماذج الإيرادات، إلى ثقافة الفريق.
في المقال القادم من هذه السلسلة سنتناول: كيف تخسر بعض المستشفيات الملايين دون أن تنتبه؟