«نَعَم، إنها الأزمة الطبيعية التي يفرزها إعلاء حب كراسي الحكم على حب الشعب... وتقديم مصلحة الفرد ومصيره على مصير الوطن ومصلحته، ووضع مصالح الجماعات والشلل المحيطة بالقائد فوق مصالح الناس».
— محمد بن راشد آل مكتوم، رؤيتي.
رغم أن هذه الكلمات قيلت في سياق أوسع، إلا أن جوهرها ينطبق تماماً على واقع كثير من المؤسسات اليوم، في القطاعين العام والخاص، حيث لا يزال بعض المسؤولين يعتقد أن القيادة تبدأ وتنتهي عند اللقب والمكتب المغلق... بينما الواقع تغيّر، والمجتمعات والمؤسسات باتت تقيس القيادة بمعيار القرب، والشفافية، والتأثير الحقيقي.
حين يتحول الكرسي إلى هدف
في كثير من المؤسسات، نرى مديرين أو مسؤولين يتشبثون بكراسيهم، كأنها غاية بحد ذاتها. يتعاملون مع المنصب على أنه امتياز شخصي، لا مسؤولية جماعية. يغلقون أبوابهم، ويُحاطون بطبقات من المساعدين والحواجز، ويتخذون القرارات في عزلة تامة عن الواقع اليومي لفِرَقهم، وعن احتياجات العملاء أو المتعاملين.
وهنا تحديداً يكمن الخطر: لأن الإدارة الناجحة، سواء كانت في مستشفى خاص، أو بنك، أو دائرة حكومية، لا تقوم على الأوامر من الأعلى، بل على التواصل الأفقي والشفافية والقدرة على الاستماع الحقيقي.
واقع لا يمكن تجاهله
نحن في عصر تغيّرت فيه توقعات الناس. الموظف لم يعد يقبل العمل مع مدير لا يراه. والعميل لم يعد يثق في شركة يُدار فيها كل شيء من وراء ستار. أصبح التقييم علنياً، والسمعة تنتشر بسرعة، والعزلة الإدارية لم تعد خياراً ذكياً.
في المقابل، تطوّرت مؤسسات كثيرة لأنها احتضنت ثقافة الباب المفتوح. مؤسسات فهم قادتها أن المسؤول الناجح هو الذي يعرف أسماء موظفيه، ويتنقل بينهم، ويُصغي للعملاء مباشرة. هذا النموذج الإداري لا يرتبط بالحجم أو القطاع، بل بعقلية القائد.
مدرسة محمد بن راشد في الإدارة المؤسسية
ما رسّخه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، طوال عقود لم يكن مجرد نموذج حكم، بل مدرسة إدارية عملية تصلح لأي مؤسسة تبحث عن التميز. عندما قال إن الحكومة وُجدت لخدمة الناس، فقد وضع أساساً يمكن تطبيقه في كل شركة، وكل مستشفى، وكل جامعة.
فـ«الناس» هنا قد يكونون مرضى، متعاملين، عملاء، أو حتى موظفين... وفكرة خدمتهم والتفاعل معهم عن قرب لا تزال حجر الزاوية في أي مؤسسة ناجحة.
من يُطبق.. ومن لا يزال يتفرّج
لحسن الحظ، هناك اليوم العديد من المديرين الذين فهموا المعادلة. تراهم يتواجدون ميدانياً، يسمعون ويُعالجون المشكلات بسرعة، ويتّخذون قراراتهم بناءً على ما يلمسونه على الأرض لا ما يُكتب في التقارير. هؤلاء يصنعون فرقاً حقيقياً، ويبنون مؤسسات عالية الكفاءة، وفي الوقت نفسه، عالية الثقة والاحترام.
أما من لا يزال يُغلق بابه، أو يتعامل مع موقعه كأنه برج عاجي، فهو لا يسيء فقط لفريقه أو لعملائه، بل يُضيّع على مؤسسته فرصة التطور والتفوق.
رسالة إلى كل من يجلس على كرسي قيادة
القيادة ليست في توقيع البريد اليومي ولا في الجلوس على الكرسي الأرفع.
القيادة الحقيقية اليوم هي قربك من فريقك، ومرونتك، واستعدادك للاستماع والاعتراف والتغيير.
المنصب ليس درعاً ضد الواقع... بل هو نافذتك إليه. وإن أغلقتها، فقد أغلقت على نفسك فرص النجاح.
*لقد قالها محمد بن راشد منذ عقود
حب الكرسي لا يصنع قائداً.*
وهي مقولة تصلح أن تكون اليوم شعاراً لأي مؤسسة تريد أن تتطور بصدق، وأي قائد يريد أن يُحدث فرقاً لا مجرد أن يوقّع أوراقاً.