هل منقذ المستشفيات... قادم من خارج القطاع الصحي؟

في الوقت الذي تعاني فيه مستشفيات كثيرة من الجمود الإداري، النزيف المالي، والتراجع في جودة الخدمات، يرفض البعض مجرد طرح سؤال يعتبره «كفراً مؤسسياً»:

هل الحل في أن يقود المستشفى شخص ليس طبيباً؟ ليس صيدلياً؟ ليس من خلفية صحية أصلاً؟

الإجابة التي رأيتها بنفسي، بعد أن انتقلت من القانون إلى قيادة واحدة من أكبر مؤسسات الرعاية الصحية في المنطقة: نعم.. وبقوة.

العين الخارجية ترى ما لا يراه من تعود على المشهد.

أكبر خطر على أي مؤسسة هو الاعتياد. عندما تكون «قادماً من الداخل» ترى الواقع كما اعتدت عليه، وتتعامل مع المشكلات كما تعلمت، لكن القادم من الخارج لا يحترم التقاليد الإدارية لمجرد أنها معتادة، ولا يخشى سؤال «لماذا؟» حين يصطدم بإجراء غير منطقي، أو بقرار غير مبني على بيانات.

القادة من خارج القطاع يطرحون أسئلة جوهرية:

• لماذا يتم صرف هذه الميزانية بهذا الشكل؟

• هل فعلاً هذه الوظيفة ضرورية؟

• ما الجدوى من هذا النظام المعقد؟

• لماذا نُصر على طريقة تشغيل عمرها 20 سنة في عصر الذكاء الاصطناعي؟

المستشفيات لا تحتاج فقط إلى فهم طبي، بل إلى عقلية إدارة معقدة،

المستشفى ليس مكاناً للعلاج فقط. هو مؤسسة مليئة بالموارد، التحديات، الأطراف المختلفة، البيانات، والقرارات الدقيقة. من يدير مستشفى اليوم يجب أن يفهم المال، التحول الرقمي، الحوكمة، القيادة، سلوك البشر، ثقافة الأداء.. قبل أن يفهم معنى «تحاليل CBC» أو «نتائج MRI».

الفكر الجديد لا يأتي من نفس المصدر الذي صنع الأزمة،

بعض المستشفيات تستمر في إعادة تدوير نفس الأسماء، ونفس أنماط التفكير، ونفس أساليب التشغيل، متوقعة نتائج مختلفة، وهذا هو تعريف الجنون المؤسسي.

الحل أحياناً ليس في «تطوير الموجود» بل في استدعاء المختلف — شخص يرى المنظمة كائناً حياً يجب إعادة تصميم أعضائه من الصفر، لا ترقيعه من الخارج.

هل نرمي الخبرات الطبية جانباً؟ بالطبع لا، بل نعيد ترتيب الأدوار

نحن لا نلغي دور الطبيب أو المدير الطبي، لكننا نعيد تعريف من يمسك بدفة القيادة العليا. من يُركّب الصورة الكاملة. من يسأل الأسئلة غير الطبية، التي تحدد مصير المؤسسة. من لا يخاف من الاصطدام بالموروث، طالما الهدف هو: الكفاءة، والشفافية، والعدالة، وجودة الرعاية.

في المقال القادم من هذه السلسلة سننتقل من الرؤية إلى الفعل: كيف نبني فريق قيادة حقيقياً داخل المستشفى؟ ما الصفات؟ ما المعايير؟ ومن يجب أن يكون على الطاولة.