الحوكمة ليست رفاهية إنها حبل النجاة الأخير للشركات العائلية

أبدأ هذا المقال بتقديم اعتذاري للقراء الكرام عن انقطاع سلسلة الإدارة من الداخل، على أن نواصلها الأسبوع المقبل بإذن الله، لكن لا يمكننا الحديث عن تحسين أداء المؤسسات دون التوقف عند قضية مصيرية تمس حاضر ومستقبل عدد كبير من الكيانات الاقتصادية في المنطقة: حوكمة الشركات العائلية.

الشركات العائلية ليست مجرد كيانات اقتصادية خاصة، بل تمثل في كثير من الدول، ومنها الإمارات، العمود الفقري للاقتصاد الوطني، إنها محرك للاستثمار، ورافعة للتوظيف، وضامن للاستقرار المالي والاجتماعي. ومن هنا، فإن استدامتها ليست مصلحة خاصة لأفرادها فقط، بل قضية أمن اقتصادي حقيقي.

لكن هذا النوع من الشركات يبقى أكثر عرضة للتقلبات ما لم يتم تحصينه بالحوكمة الحقيقية. وأشدد هنا على الحوكمة الحقيقية، أي تلك التي تُفعّل فعلياً في السياسات والقرارات، لا أن تكون مجرد وثائق محفوظة أو شعارات تُرفع دون التزام حقيقي.

فالخطر لا يكمن فقط في غياب الحوكمة، بل أيضاً في تمثيلها شكلياً دون ممارسة عملية: مجالس إدارة شكلية، سياسات بلا متابعة، ومسؤوليات غير واضحة.

من واقع تجربتي في تطبيق الحوكمة داخل مجموعتنا، رأينا بوضوح كيف تتحول البيئة من قرارات فردية إلى منظومة مؤسسية ناضجة، أداء أكثر استقراراً، إنتاجية أعلى، مساءلة واضحة لكل مدير ومسؤول، ومجلس إدارة فعّال يراجع، يقيّم، ويشارك في صياغة القرار على أسس مهنية بعيداً عن التجاذبات العائلية.

الأرقام تتحدث: أكثر من 70% من الشركات العائلية لا تصل إلى الجيل الثاني، و90% لا تعبر إلى الجيل الثالث، وهذا ليس بسبب نقص التمويل أو الكفاءة، بل بسبب غياب التنظيم والحوكمة الرشيدة.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشادة الصريحة بدور حكومة دبي، التي قدمت نموذجاً سبّاقاً في دعم منظومة الحوكمة المؤسسية. عبر تشريعات حديثة، بيئة تنظيمية ذكية، وبرامج تمكين مدروسة، أسهمت الحكومة في إنقاذ العديد من الشركات العائلية من مسارات الانهيار، ودفعتها نحو التحول إلى مؤسسات مستقرة تنافس محلياً وعالمياً.

لولا هذا الدور الحاسم، لكانت خسائر السوق مضاعفة، ولتأثرت ثقة المستثمرين، ولساهمت النزاعات الداخلية في تقويض كيانات كان يمكن لها أن تقود الاقتصاد لا أن تكون عبئاً عليه.

الحوكمة ليست خصماً للعائلة، بل حليف لها... وليست عائقاً أمام القرار، بل منظّم له... وهي اليوم ليست خياراً، بل ضرورة تأخرت كثير من الشركات في الاعتراف بها.