امتلاك المعلومات لا يعني بالضرورة استيعابها «2-2»

قلنا في مقالنا السابق: إن كل معلومة تكتسب قيمتها من السياق الذي توضع فيه، اجتزاؤها منه يفقدها معناها وقيمتها. وقد يؤدي استخدام المعلومة نفسها في بيئة مختلفة إلى نتائج متباينة.

وعليه، فمن الضروري فهم خلفية الموضوع المراد الكتابة فيه، والفئة المستهدفة، والأهداف المرجوة. وألمحنا إلى أمثلة تضيء على المقاربة التي ذهبنا إليها، وأفادت بأن امتلاك المعلومات لا يعني بالضرورة استيعابها، فالطاقة الاستيعابية لدى البشر، تختلف سعتها من شخص إلى آخر.

ومشروعٌ القول إن القدرة العقلية - الاستيعابية لدى البعض أكبر من حجم المعلومات التي يمتلكها، بينما لدى البعض الآخر هي العكس؛ القدرة العقلية أصغر. وفي الوقت الذي تتوفر فيه المعلومة للجميع، فإن عدد من يستطيع توظيفها على نحو مبدع ومفيد، قليل. إنها الطاقة الاستيعابية لا غير.

لننظر إلى الأودية التي تحمل السيل إليك، بفعل المطر، كل واد منها يأخذ ماءً بحسب طاقته، قدرته لا أكثر. ثمة آية قرآنية دلالتها واضحة في هذا السياق: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا). قدر طاقة الوادي على الاستيعاب، وكذلك هي طاقة استيعاب المعلومات.

يقول علي عزت بيجوفيتش: «هنالك أناس يكدسون المعارف في عقولهم، من دون أن تتسع رؤيتهم. والاتساع لا يتحقق إلا من خلال الأفكار. كما أن الإفراط في القراءة لا يجعلك أكثر ذكاء». كأني به يشير إلى النحلة، كيف تحول نذر الرحيق إلى عسل شاف.

وللعلم، فإن التقدم البشري، دائماً ما يبدأ من شخص؛ وجّه المعلومة العادية إلى فكرة استثنائية، باستخدامه ذكاء عملياً. إن الطاقات الاستيعابية للمعلومات، وتأمل المرئيات في الوجود، تلك التي كونت الحضارة البشرية، تكاد تكون جينية لدى بعض العلماء، لكن آخرين قالوا بإمكان الشخص العمل على رفع قدرة طاقته وسعتها.

مقطع القول: إن وفرة المعرفة وحدها لا تكفي، قدرة العقل وتوجيهه لما ينفع. إن اتساع الذاكرة شيء، وقوة الفهم والإبداع شي آخر.