امتلاك المعلومات لا يعني بالضرورة استيعابها «1-2»

الحصول على المعلومة، فيما مضى، كان صعباً، مشكلة يأخذ حلها وقتاً. هذه المعاناة لمن قاساها، مر عليها نحو 25 سنة ونيّف. اليوم، أصبح البحث عن المعلومة، نزهة. نقرة زر.

لكن المعلومة تفرعت بمشكلاتها، فولدت لنا مشكلة جديدة، أعقد من الأولى، هي كيف يمكن توظيف المعلومة ضمن سياق، لتكتسب الفكرة من خلالها زخماً وقوة وتأثيراً على القارئ أو المستمع؟ فإذا تعدّدت المعاني كان الفصل للسياق. وكلمة (توظيف) في الأدبيات الإنجليزية شبه مصطلح - (Implementation).

ولاحقاً، صار معلوماً لدى العاملين في حقل الصحافة والإعلام، ما يشبه القاعدة، تقول: إن المعلومة إذا اجتزئت من سياقها لا معنى لها. والشيء ذاته انسحب على الأخبار؛ فالخبر المُجتزأ من سياقه العام لا يؤخذ به، لكن هل انتهى صداع المعلومة عند حد؟ لا، لم ينته.

تكونت، بمرور الوقت، ظاهرة وبدأت تنتشر، قامت على أن من يمتلك المعلومات ليس بالضرورة يستطيع استعمالها على نحو سليم ومفيد. وأعطت الظاهرة توصيفات أو مفاهيم، منها:

إن امتلاك الفرد لكمّ من المعلومات لا يعني بأن طاقته الذهنية قادرة على استيعاب ما يحمله من أسفار، واستعمالها بشكل جيد عند الكتابة أو الحديث، ما يجعل الشخص غير مؤهل لإنتاج الأفكار.

ومن الأمثلة التي قد تصدف في الحياة اليومية: شخص يقرأ كثيراً، ويحفظ كماً من المعلومات، لكنك لا تلمس فيما كتب أو تحدّث ثراء ما يحمل؛ فتدرك بأنك أمام شخص لا يمتلك القدرة على توظيف أي من مدخراته المعرفية. بالمقابل، هنالك شخص لا يقرأ كثيراً، وربما إن قرأ انتقى، وخزينه المعلوماتي أو المعرفي ضعيف مقارنة بالأول.

لكنه حين يكتب أو يتحدث، تشعر بأنه يمتاز بالربط الذكي للمعلومات، وأنه يمنحك مفاتيح لاكتشاف أبعاد جديدة، ويغمرك بإحساس، لا فقط بالمنطق الذي طغى على مقالته، بل بوقعها وتأثيرها عليك. إذاً، نحن أمام معلومات تسيل بها أودية، أو أمام طاقتين استيعابيتين، قوية وضعيفة.