ليست نهاية السنة الميلادية مجرد محطة زمنية عابرة في حياتنا، بل هي اختبار صريح لوعينا تجاه أنفسنا. ففي الوقت الذي ينشغل فيه كثيرون بالاحتفال، أو بوضع خطط سريعة للعام الجديد، قد يغيب السؤال الأهم: هل تغير فينا شيء فعلاً؟
أم أننا نعيد تدوير الأعوام بذات المجريات والمخرجات؟ في هذه اللحظة، قف مع نفسك بصدق وبصيرة، وراجعها مراجعة لا تقبل المجاملة؛ فهي لحظات ينظر فيها الإنسان إلى مساره، لا إلى أمنياته فحسب.
أولى هذه المراجعات تتصل بعلاقة الإنسان بربه؛ فهل أديت حق الله عليك بالمحافظة على الفرائض والواجبات، وفي مقدمتها الصلوات الخمس؟
هل تدبرت كلام ربك وعملت بمقتضاه؟ هل أديت حق الوالدين وبررت بهما؟ هل حرصت على الدعاء، وهو مفتاح الرجاء؟ وهل داومت على الأعمال التي تقربك إلى ربك؟ فبين الانشغال وضغوط المسؤوليات لا بد من المراجعة والازدياد من الخير وتدارك ما فات، فالعمر يمضي بمضي الأعوام.
ثم إلى دفء الوطن وأمانته؛ ماذا فعلتَ تجاه وطن منحك الهوية، والأمان، والانتماء، والفخر والرفعة؟ هل حافظت عليه في تفاصيل يومك بممارسة المواطنة الإيجابية قبل رفع الشعارات؟
هل كنت صادقاً في عملك، نزيهاً في مواقفك، حريصاً على مصلحته العليا، مقدماً إياها على مصالحك الضيقة والمؤقتة؟ فالوطن أمانة في الأعناق، ويحتاج إلى ضمير حي يعرف مكانته. فهل راجعت نفسك تجاه ما قدمت لوطنك؟
ثم يأتي السؤال الذي لا يؤجل، والمتعلق بالأسرة، ذلك الكيان الذي يعد أساس المجتمع. عُد بذاكرتك قليلاً: كم مرة دخلت بيتك متعباً، فدخل معك تعبك إلى قلوبهم؟
وكم مرة كان أبناؤك ينتظرون كلمة، أو حضناً، أو إنصاتاً صادقاً، فسبقتك الشاشة إليهم؟ الأبناء لا يحتاجون إلى كلمات كبيرة ولا وعود مؤجلة، بل يحتاجون إلى حضور صادق، وقدوة هادئة، واحتواء يزرع فيهم الأمان. فاسأل نفسك بصدق: أيّ ذكرى صنعتها في قلوبهم هذا العام ونحن على عتبات عام الأسرة؟ وأيّ أثر سيحملونه منك إلى الغد؟
ويبرز كذلك سؤال المسؤولية الوظيفية، حيث تتجلى القيم الحقيقية حين تغيب الرقابة. فبين من يرى في وظيفته أمانة ورسالة ومسؤولية، ومن يراها مجرد مصدر دخل وقضاء وقت، تتسع الفجوة الأخلاقية، الإتقان هنا ليس خياراً، بل واجب ومعيار أمانة. فهل أديت الأمانة؟
إذ إن العمل حين يُؤدَّى بضمير حي يصبح قيمة مضافة للفرد والمجتمع والوطن، وحين يُؤدَّى بلا مسؤولية يتحول إلى استنزاف صامت للثقة والموارد.
أما السؤال الأخير، فهو سؤال الذات: هل طورت مهاراتك وذاتك خلال هذا العام، أم بقيت أسير العادة والتكرار؟ هل تعلمت شيئاً جديداً؟ هل واجهت نقاط ضعفك بشجاعة بدل تبريرها؟ فالوقت يمضي سواء وعينا ذلك أم تجاهلناه، لكن الخسارة الحقيقية أن تمر السنوات دون نضج، ودون أن يكتشف الإنسان ذاته ويطور إمكاناته.
في المحصلة، لا تكمن قيمة نهاية السنة في الاحتفال بها، بل في استثمارها كلحظة وعي ومصارحة وتصحيح للمسارات. فمراجعة الذات لا تعني الوقوف عند الماضي، بل محاولة صادقة لتدارك ما فات، وفتح أبواب الهمة والنشاط، وتصحيح المسار نحو مستقبل أفضل.
فالأسئلة كثيرة، وما ذكرته نماذج تضيء الطريق، وقد يكون السؤال الأصدق الذي ينبغي أن يرافق الإنسان مع بداية العام الجديد، عندما أصل إلى نهايته، هل سأجد سبباً للفخر بما كنت عليه؟ أم سأعود لطرح الأسئلة ذاتها من جديد؟