تحفيز ثم تمكين.. رؤية للمستقبل الاقتصادي

تؤكد التجربة الإماراتية في تطوير سوق العمل أن الدولة لا تكتفي بإطلاق البرامج أو سن التشريعات، بل تمضي بخطى ثابتة نحو بناء مشروع وطني متكامل يكون فيه المواطن محور العملية الاقتصادية وشريكاً فاعلاً في صناعة المستقبل.

فمن برامج دعم التوظيف في القطاع الخاص، إلى تمكين رواد الأعمال، ومن التشريعات المرنة إلى الاستثمار في التعليم الريادي، تتجلى إرادة واضحة لتحويل الإنسان الإماراتي إلى طاقة إنتاجية قادرة على الابتكار والمنافسة.

لقد أثبتت السياسات الاقتصادية الحديثة أن التحفيز وحده، مهما بلغت قيمته، لا يكفي لصناعة اقتصاد مستدام. فالمرحلة المقبلة تتطلب تحولاً نوعياً من منطق الدعم المؤقت إلى منطق التمكين طويل الأمد، حيث يصبح المواطن قادراً على بناء مساره المهني، وتطوير مهاراته، والمشاركة بفاعلية في سلاسل القيمة الاقتصادية.

فالقيمة الحقيقية لأي سياسة لا تقاس بحجم الإنفاق، بل بقدرتها على إنتاج مواطن واثق من أدواته، قادر على الاعتماد على نفسه، والانفتاح على الأسواق العالمية.

وفي هذا السياق، يبرز دور الدولة في تهيئة البيئة المناسبة التي تتيح للمواطن فرصاً حقيقية للنمو، سواء من خلال العمل في الشركات الخاصة، أم تأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة، أم الدخول في مجالات الابتكار والتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي.

فالمواطن الذي يؤسس مشروعاً ناجحاً لا يحقق ذاته فحسب، بل يسهم في خلق فرص عمل جديدة، ويضيف قيمة للاقتصاد الوطني، ويعزز من تنافسيته.

كما أن تعزيز ثقافة العمل المنتج يتطلب شراكة متكاملة بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية والإعلامية، لضمان بناء منظومة تدعم الطموح وتحفز الإبداع. فحين تتكامل هذه الأدوار، يتحول سوق العمل إلى مساحة مفتوحة للفرص، لا إلى سباق محدود الخيارات.

رأيي أن مستقبل الاقتصاد الإماراتي لا يقوم فقط على الموارد أو الاستثمارات، بل على الإنسان القادر على تحويل الفرص إلى إنجازات. فالمواطن الذي يعمل في شركة خاصة، أو يطلق مشروعاً ريادياً، أو يبتكر تطبيقاً يخدم مجتمعه، هو ذاته الذي يرفع علم الدولة في ميادين التنمية.

وبهذا النهج، تتحول الإمارات من بلد يوفر الوظائف، إلى وطن يصنع المبدعين ويقودهم نحو اقتصاد أكثر استدامة وتنافسية.