خريطة طريق لريادة الإمارات في الصحة 2035 (10 - 15)

نهضة الصناعات الدوائية والتقنيات الحيوية... حلمٌ للإمارات نحو اكتفاء صحي وأمن وطن

حلمٌ شخصي للإمارات... لأنني أحبها، وأؤمن أنها تستحق أن تمتلك دواءها، وتبتكر علاجها، وتقود أمنها الصحي بقرارٍ سيادي وعقلٍ علمي.

الدواء ليس سلعة... إنه حياة.

والأمن الصحي لا يتحقق بالمنشآت وحدها، بل بالقدرة على إنتاج المعرفة والدواء في اللحظة الحرجة.

لقد أثبتت جائحة كوفيد 19 أن من يملك مصانع الدواء والتقنيات الحيوية يمتلك مفاتيح الحماية والسيادة.

وحلمي للإمارات أن تكون ـ بحلول عام 2035 ـ دولة لا تنتظر توريد الدواء من الخارج، بل تصنعه وتصدره وتبتكره.

أن تمتلك منظومة دوائية وتقنية حيوية تجعلها دولةً مكتفية بذاتها، مطمئنة لشعبها، ومصدر ثقة للعالم.

1. الاستثمار في المستقبل: 300 مليار درهم نحو الصناعة الصحية

تشهد الإمارات طفرة استثمارية في مجال الأدوية والتقنيات الحيوية ضمن مشروعها الصناعي الوطني «300 مليار» الذي خصص 300 مليار درهم لتمكين قطاعات رئيسية بينها الصناعات الدوائية والتكنولوجيا الحيوية.

وبالتوازي، وقعت دائرة الصحة – أبوظبي اتفاقيات مع كبرى الشركات العالمية مثل سانوفي وجلاكسو سميثكلاين لتأسيس شراكات بحثية وتصنيعية في مجالات اللقاحات والعلاجات المتقدمة.

هذه الاستثمارات ليست أرقاماً مالية فحسب؛ إنها إعلان واضح بأن الإمارات تدخل مرحلة التصنيع الذكي للدواء – مرحلة توازن بين الابتكار والعلم والسيادة.

2. من المصانع إلى المنظومات: الإمارات تُنتج دواءها

حتى عام 2025، يوجد في الدولة أكثر من 20 مصنعاً دوائياً محلياً تنتج ما يزيد على 2,500 دواء في مجالات مختلفة.

وتقود شركات مثل جلفار ونيوفارما ولايف فارما عملية التصنيع المحلي، فيما تتجه المرحلة القادمة نحو التحول إلى الأدوية الحيوية عالية التقنية.

الإنجاز الأبرز هو مصنع «حياة بايوتك» في أبوظبي – ثمرة شراكة بين G42 وسينوفارم – بطاقة إنتاجية تبلغ 200 مليون جرعة لقاح سنوياً.

إنه أول مصنع من نوعه في العالم العربي لإنتاج اللقاحات، ورمز للقدرة على الاستجابة للأزمات بقرارات وطنية.

وفي رأس الخيمة، توسعت جلفار لتصنيع أدوية البيوسيميلار لعلاج السرطان والمناعة، بينما تعمل PureHealth وG42 Healthcare على تطوير تقنيات الـ mRNA – وهي التكنولوجيا التي تمثل مستقبل اللقاحات والعلاجات الجينية.

3. سوق الأدوية الإماراتي... من الاستيراد إلى التصدير

تبلغ قيمة سوق الأدوية في الإمارات اليوم أكثر من 5.6 مليارات دولار (2024)، ويتوقع أن يتجاوز 8 مليارات دولار بحلول 2030، وأن يصل إلى 10 مليارات دولار تقريباً بحلول 2035، بمعدل نمو سنوي مركب يتراوح بين 6 و7 %.

هذا النمو مدفوع بثلاث قوى محورية:

• زيادة الاستثمار المحلي في البحث والتصنيع.

• التوسع في التغطية التأمينية والخدمات الرقمية.

• تطور الصناعات الحيوية التي ترفع القيمة الاقتصادية للمنتجات الطبية.

لقد تحولت الإمارات من سوق استهلاكي إلى قوة إنتاجية ناشئة تستعد لتصدير منتجاتها الدوائية نحو الأسواق الخليجية والعربية والآسيوية.

4. البحث والتطوير... من نقل التقنية إلى توليد المعرفة

لكي تكون الإمارات «دولة تصنع الدواء»، لا يكفي أن تمتلك مصانع.

الريادة تبدأ من المختبر والجامعة.

لهذا أطلقت الدولة منظومة بحثية متكاملة تشمل:

• مركز محمد بن راشد للأبحاث الطبية بدبي، باستثمار يتجاوز 300 مليون درهم.

• مراكز أوميكس وجينوم أبوظبي لتحليل البيانات الجينية وتطوير الطب الدقيق.

• برامج التجارب السريرية الوطنية، التي نمت قيمتها السوقية إلى أكثر من 100 مليون دولار في 2024 ويتوقع أن تتضاعف بحلول 2033.

إنها منظومة تربط الجامعات بالمستشفيات وبالشركات العالمية، لتجعل من كل تجربة طبية فرصة لصناعة دواء جديد باسم الإمارات.

5. التنظيم والحوكمة... من «المراقبة» إلى «الأمان الصحي الكامل»

صدر في عام 2024 القانون الاتحادي رقم 38 لتنظيم المنتجات الطبية والمنشآت الصيدلانية، وهو نقلة نوعية تضع الإمارات ضمن الدول الأكثر صرامة في الرقابة وأسرعها في الابتكار.

أبرز إنجازات هذا الإطار الجديد:

• إنشاء مؤسسة الإمارات للأدوية (EDE) كجهة اتحادية مستقلة لتوحيد الرقابة.

• تطبيق منصة “تطمين” الرقمية لتتبع كل علبة دواء من المصنع إلى المريض.

• إلزام الشركات بوجود أكثر من موزع ومستورد لكل منتج لضمان تنوع الإمداد.

• بناء مخزون استراتيجي وطني من الأدوية الأساسية والطوارئ.

هذه المنظومة المتكاملة تضع الإمارات في مصاف الدول القادرة على ضمان أمنها الدوائي بنسبة 100% خلال العقد القادم.

6. مقارنة عالمية: الإمارات تقترب من الصف الأول

بينما تتصدر الولايات المتحدة العالم في عدد الأدوية المبتكرة والبراءات، وكندا في جودة نظم الرعاية والتجارب السريرية، تمضي الإمارات بخطى متسارعة تجمع بين الاثنين:

• سرعة في التنظيم والاعتماد (30 يوماً فقط لتسجيل دواء جديد مقابل أشهر في دول أخرى).

• تكامل في السجلات الصحية والبيانات الجينومية يفوق كثيراً من النماذج الأوروبية.

• استثمارات متوازنة تجمع بين القطاعين العام والخاص.

وبذلك تقترب الإمارات من تحقيق نموذجها الفريد: دولة عربية – عالمية تمتلك القدرة التقنية للابتكار، والمرونة التنظيمية للمنافسة، والثقة الإنسانية التي تجعل الدواء ليس سلعة... بل وعد بالحياة.

7. حلمي للإمارات... حين يصبح الدواء قراراً سيادياً

كل ما يحدث اليوم ليس صدفة.

إنه جزء من حلم أكبر — حلم أؤمن به بكل يقين:

أن تكون الإمارات الدولة التي تملك دواءها ولقاحها وتقنيتها الحيوية، فلا تنتظر المساعدات، ولا تخشى الأزمات، ولا تعتمد إلا على علمها وعقول أبنائها.

إنني أؤمن بأننا سنرى، قبل عام 2035، أول دواء عالمي يُصنع ويُسجل ويحمل ختم «صنع في الإمارات».

وعندها سيُكتب اسم الإمارات، لا في قائمة مستهلكي الدواء... بل في قائمة من يصنعون الحياة.

نهضة الصناعات الدوائية والتقنيات الحيوية ليست مشروعاً اقتصادياً فقط؛ إنها قضية سيادة وإنسانية ورؤية وطنية.

وحلمي — الذي أراه يتحقق كل يوم ـ أن تكون الإمارات، خلال عقد من الآن، دولة يُقصدها العالم للعلاج، لا لتوريد الأدوية.

فمن يملك الدواء... يملك القرار.

ومن يملك المعرفة... يصنع المستقبل.

والإمارات ـ بحبها وعلمها وإرادتها ـ ماضية لتصنع الاثنين معاً.

المقال القادم (11 - 15):

المستشفيات الخضراء... كيف تقود الإمارات ثورة الاستدامة في الرعاية