و«وجب» في الأصل تعني لزم وثبت وتحتم.. و«يجب» فعل مضارع يفيد معنى الأمر.. وفي الخطاب غالباً ما يستخدم لطرح الضرورة، وبخاصة ضرورة تحقيق البديل عن عالم مرفوض.
ولما كان استخدام «يجب» يتم في حقل الاختلاف السياسي والأيديولوجي والاجتماعي، وهي حقول الممكنات والاحتمالات والمصادفات وعلاقات القوى، فإن «يجب» تشير أول ما تشير إلى التعصب.. و«يجب» التعصب مختلفة عن «يجب» الالتزام المرتبط بالواجبات.
لكن الفرق بين «يجب» الالتزام القانوني و«يجب» الخطابات المتعلقة بمشكلات المجتمع والسياسة والاقتصاد وتنوعها كبير.
ولهذا فإنهم مولعون بما يجب أن يكون، لكن المثقف الذي يطرح ما يجب أن يكون دون أن يمعن النظر في الواقع بما هو عليه من مشكلات، فإنه، رغم مدخله الأخلاقي، لا يفكر واقعياً.
لنتأمل فعل الأمر «يجب» المتعلق بالصراعات.. فعند كل طرف من أطراف الصراع ما يجب، وما يبرر حق التناقض. المشكلة لا تقع في حقل ما يجب من زاوية الحق والقانون، بل في البحث عن سبل تحقيق الحق والقانون.
واتفق الجميع على هذا الأمر، ولكن ماذا عن الشروط الضرورية لتحقيق ما يجب؟ هل تحقيق هذا يقع في حقل الإمكان؟ وهل الشروط يمكن أن تتوافر لتحقيق هذه الغاية النبيلة؟
والأدهى من ذلك النزعة الإرادوية في الصراع السياسي المسلح، التي تطرح ما يجب مع عجز إرادي من جهة، وغياب الشروط الموضوعية من جهة ثانية.
الماضي لا يعود، والإرادة التي تجعل غايتها إعادة الماضي هي إرادة عاجزة، رغم ما تظهره من عنف لا قيمة عملية له، اللهم سوى تخريب الحياة.
فأحلام الوطن والمجتمع هي أحلام تظل مشدودة إلى ما يتوافر لها من أساليب وأدوات وممكنات وطموحات واقعية، وهنا تبرز العلاقة بين العقل والواقع، بين العقل الواقعي والواقع العقلي..
فالعقل الواقعي المبدع هو الذي يرى ما هو محجوب عن العقل العادي، وهو الذي يخلق ما يطلق عليه «المعجزة» الاقتصادية والتنموية والعمرانية، وما تولّده هذه المعجزة من وعي جديد وذهنية جديدة.