في عام 1989 غزت الولايات المتحدة الأمريكية بنما في عهد الرئيس جورج بوش الأب، وأطاحت برئيسها مانويل نورييغا تحت ذريعة الحرب على المخدرات، لكن الحرب لم تنتهِ.
في عام 1993 نشبت حرب المخدرات في كولومبيا، التي سقط على إثرها بابلو سكوبار زعيم العصابات الكولومبي المعروف، وأيضاً لم تنتهِ الحرب. وفي المكسيك الحرب مستمرة منذ 2006 ولا نهاية لها. في البيرو وبوليفيا حرب على ورقة الكوكا، المادة الخام للكوكايين بين الدولة والمزارعين والمتمردين.. لكن حرب المخدرات ليست كلها عن المخدرات، أحياناً من أجل النفط، النفوذ، السيطرة، السياسة والأمن الداخلي.
اليوم.. العالم على شفا حرب أمريكية جديدة، كلمة السر فيها المخدرات، لكنها أبعد من ذلك بكثير.
بدأت بتصريح الرئيس دونالد ترامب: «سنحارب كارتيلات المخدرات التي تخنق أمريكا»، وذكر فنزويلا تحديداً.
لم يكن الاتهام موجهاً لتجار مخدرات عاديين، بل لرئيس دولة هو نيكولاس مادورو. ووضعت وزارة الخارجية ووزارة العدل في أمريكا مكافأة 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي لاعتقال الرئيس الفنزويلي بتهمة انتهاك قوانين المخدرات الأمريكية.. وأدرج اسمه إلى جانب ضباط من الجيش الفنزويلي.
بدا الأمر كأنه محاولة لتحويل صراع سياسي إلى ملف جنائي يمكن بيعه للرأي العام الأمريكي بوصفه حرباً أخلاقية. وبالفعل ثمة شبكات تهريب تعمل داخل فنزويلا، كما تعمل في معظم دول أمريكا اللاتينية.. لكن وضع دولة بأكملها في خانة دولة مخدرات كان يحتاج إلى شيء آخر غير الأدلة، كان يحتاج إلى قرار سياسي.
هذا الشيء الآخر هو النفط الذي يشعل الحرائق ويغير الخرائط. فنزويلا ليست دولة عادية، إنها تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم.. ومن يملك هذا النفط، يملك مفاتيح التأثير في سوق الطاقة، ويملك أيضاً قدرة على تحدي واشنطن.
وعندما اقتربت كاراكاس من موسكو وبكين وطهران، شعرت الولايات المتحدة بأن الحديقة الخلفية التي كانت لها يوماً أصبحت ملعباً لخصومها. بدأت منذ أسبوعين تقريباً الحرب الحقيقية من عقوبات خانقة، وحصار مالي، وتجميد أصول، وانهيار اقتصادي مخطّط له بدقة.
حين رأى ترامب مستشارين روسيين في كراكاس، واستثمارات صينية في آبار النفط، وطائرات إيرانية تهبط في المطارات الفنزويلية، تحولت فنزويلا فجأة من دولة بعيدة إلى تهديد استراتيجي.
ثلاثة عوامل هي: النفط وروسيا والصين، أصبحت سبباً كافياً لقرع طبول الحرب.
تقليدياً ووفقاً لمبدأ الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمس مونرو، الذي أعلنه عام 1823، فإن أمريكا اللاتينية ليست أرضاً لبسط نفوذ القوى الأجنبية.
من جانب آخر فإن فنزويلا تشكل لترامب بطاقة انتخابية، حيث إن فلوريدا الولاية الذهبية في الانتخابات الأمريكية، يسكنها آلاف المهاجرين الفنزويليين والكوبيين المعادين لأي نظام يساري في بلادهم.
وهو يعلم هذا جيداً، لذلك رفع السقف ضد مادورو، ليس فقط كسياسة خارجية، بل لترسيخ صورة الرئيس القوي الذي يحاصر الديكتاتور الاشتراكي.
إذن.. ما قصة الحرب حقاً؟ إنها ليست حرب مخدرات، ولا حتى حرباً على الفساد أو الاستبداد، بل حرب على النفط: المورد الذي لا يسمح الأمريكيون بأن يغادر نفوذهم.. وإن إعادة فنزويلا من حضن موسكو وبكين إلى الفلك الأمريكي أمر لا بد منه لأمريكا، وأيضاً إسقاط نموذج يجري عكس التيار الأمريكي.
تماماً كما يفعل الآن في دولة أخرى من دول أمريكا اللاتينية هي هندوراس؛ حيث يتنافس بانتخابات الرئاسة فيها زعيمان، هما بالمناسبة من أصول فلسطينية، نصري عصفورة عن الحزب الوطني المحافظ، وسلفادور نصرالله عن الحزب الليبرالي.. طبعاً وضع ترامب ثقله بجانب المحافظ عصفورة.