يحلّ اليوم العالمي للتضامن الإنساني في العشرين من ديسمبر كل عام، متزامناً مع شهر يحمل دلالات عميقة للتقييم، والتكريم، ومراجعة الأثر؛ فشهر ديسمبر ليس مجرد نهاية سنة مليئة بالإنجازات والتحديات، بل محطة للتأمل والتفكر في نوعية العطاء وليس كميته فقط، وفي أثر المبادرات وليس مجرد إطلاقها.
في دولة الإمارات العربية المتحدة، يكتسب هذا اليوم بُعداً إضافياً في ظل عام الأسرة، الذي يؤكد أن القيم الإنسانية، وفي مقدمتها التضامن، تبدأ من الأسرة، وتترسخ في المجتمع، ثم تتحول إلى سياسات ومبادرات مستدامة لمنفعة البيئة والبشرية.
فالأسرة هي النواة الأولى التي يتعلم فيها الفرد معاني التراحم والمسؤولية ومساندة الآخر، وهي المدرسة الأولى التي تُغرس فيها ثقافة العطاء الواعي القائم على التعاطف مع الآخرين والحرص على تحقيق أثر حقيقي في حياته، ومن هذا المنطلق، يصبح التضامن الإنساني امتداداً طبيعياً لقيم أسرية أصيلة، تتحول على مستوى الدولة إلى نهج مؤسسي راسخ، وعلى مستوى المجتمع إلى ثقافة وسلوك يومي. نحن في الإمارات لدينا شعار لهذه التصرفات والسلوكيات المجيدة المبنية على التراحم والإنسانية: عيال زايد.
تشارك دولة الإمارات دول العالم في الاحتفال بهذا اليوم، وهي تحمل سجلاً حافلاً بالإنجازات والمبادرات الإنسانية والإغاثية التي رسّخت مكانتها شريكاً أساسياً في منظومة التضامن الإنساني الدولية، انطلاقاً من القيم التي أرساها القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والتي قامت في جوهرها على الإنسان والأسرة والمجتمع.
واليوم، تواصل القيادة الرشيدة، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مدّ جسور الخير إلى شعوب العالم كافة، ولا سيما في الأوقات العصيبة التي تتجلى فيها أسمى معاني الأخوة الإنسانية، ضمن رؤية استراتيجية تجعل من التضامن الإنساني نهجاً راسخاً لا يتأثر بالحدود أو الاختلافات.
لقد أكدت دولة الإمارات، عبر عقود، أن العمل الإنساني الفاعل لا يقتصر على الاستجابة الطارئة، بل يقوم على المسؤولية المجتمعية المستدامة، وبناء القدرات، ودعمت صمود المجتمعات في مواجهة النزاعات والكوارث الطبيعية، وتصدّرت قائمة أكبر الجهات المانحة للمساعدات الإنسانية، مؤكدة التزامها الأخلاقي تجاه الشعوب الأقل حظاً، دون تمييز ديني أو عرقي أو ثقافي، وهو ما نصّ عليه بوضوح المبدأ التاسع من المبادئ الخمسين لدولة الإمارات.
وفي هذا السياق، يبرز القطاع الثالث – المتمثل في المؤسسات ذات النفع العام والجمعيات والمؤسسات الأهلية وصناديق التكافل الاجتماعي– كعنصر محوري في تعزيز التنمية المستدامة والمسؤولية المجتمعية، فهذا القطاع يشكل حلقة وصل حيوية بين المجتمع، والقطاعين الحكومي والخاص، ويسهم في تقديم الخدمات الاجتماعية، ودعم الفئات المحتاجة، وتطوير حلول مبتكرة للتحديات المجتمعية.
ومن هنا تأتي أهمية التعاون الاستراتيجي مع «مجرى» – الصندوق الوطني للمسؤولية المجتمعية، بوصفه مظلة وطنية تعمل على توجيه الجهود الخيرية والمجتمعية من القطاع الخاص والأفراد نحو مشاريع ذات أثر قابلة للقياس، تلتزم بمعايير الاستدامة والحوكمة والفعالية.
ومن خلال هذه الشراكة، يتم تصميم برامج متكاملة تُعنى بتمكين المجتمع، وحماية البيئة، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على الثقافة والتراث الاماراتي بشكل متوازن، بما يضمن استدامة الأثر على المدى الطويل.
إن مفهوم التضامن الإنساني اليوم لم يعد يقتصر على تقديم المساعدات التقليدية، بل أصبح مرتبطاً بالابتكار الاجتماعي وتحويل التحديات إلى فرص تنموية حيث يُعد دمج الخبرات المحلية في الدعم الفني والمؤسسي نموذجاً فاعلاً لابتكار حلول مستدامة تلبي الاحتياجات المجتمعية وتنسجم مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة ورؤية الإمارات المستقبلية.
كما أن ترسيخ ثقافة المسؤولية المجتمعية المشتركة بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات المجتمعية يعزز من كفاءة استخدام الموارد، ويضمن استمرارية المبادرات، ويخلق منظومة دعم متكاملة يكون فيها الإنسان محور التنمية وغايتها. فالتضامن الحقيقي هو ذاك الذي يترك أثراً طويل الأجل، ويحسّن جودة الحياة، ويعزز ثقافة التطوع والمشاركة المجتمعية، ويحافظ في الوقت ذاته على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. هذا ما تم تسميته باقتصاد الأثر، الذي يأتي بعوائد إيجابية للمجتمع والبيئة على المدى البعيد بإشراك القطاع الخاص الممكن بشكل حثيث.
وفي هذا السياق، يشكّل ديسمبر فرصة مثالية للانتقال من العطاء الموسمي إلى العطاء المسؤول، ومن المبادرات الآنية إلى برامج ذات أثر قابل للقياس والاستدامة، بما يتوافق مع عام الأسرة، الذي يعكس أهمية غرس القيم الإنسانية منذ الصغر وتفعيلها على مستوى المجتمع بأسره.
في يوم التضامن الإنساني، نؤكد أن تجربة دولة الإمارات تمثل نموذجاً رائداً في الدمج بين العمل الخيري، والمسؤولية المجتمعية، والاستدامة، والتعاون بين «مجرى» والقطاع الثالث يجسد رؤية وطنية واعية تحول القيم الإنسانية إلى نتائج ملموسة، وتسهم في بناء مجتمع متماسك، وبيئة حية، ومستقبل أكثر عدلاً وتوازناً للإنسانية جمعاء.