«التنمية عملية مستمرة لا تتوقف عند حد، والسباق نحو التميز ليس له خط نهاية»؛ حكمة يطرحها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في السطر الأخير من كتاب: (رؤيتي: التحديات في سباق التميز). بناء على هذه الحكمة، يمكن القول بأن العالم اليوم يبدو وكأنه يتحرك بسرعة لا تمنح أحداً فرصة للالتفات إلى الوراء.
إذ تتغير الأشياء من حولنا على نحو مُتسارع، وتتشكل تحديات جديدة كل يوم، وكأن الحياة تختبر قدرتنا الدائمة على التحديث والتجدد. في خضم هذا الإيقاع، تبرز حقيقة كون التنمية ليست محطة نصل إليها، بل طريق طويل لا ينتهي، ومسار مستمر لا يعرف التوقف. وحين ندرك هذه الحقيقة، يصبح السعي نحو التميز جزءاً أصيلاً من ثقافتنا لا ينفصل عنها.
إن المجتمعات التي تؤمن بأن مسيرة التنمية تنتهي عند حد معين، تُقحم نفسها دون قصد في دائرة من الركود.
فالشعوب التي تتصور أن التميز له خط نهاية، ستنشغل فقط بالوصول إلى تلك النهاية، وما إن تصل حتى تتباطأ، وربما تستريح وكأنها أدّت ما عليها. وهذا هو الفخ الذي يمنع الأمم من مواصلة الصعود والارتقاء، إذ إن الراحة بعد النجاح قد تكون أخطر من الفشل نفسه. النجاح الذي لا يتبعه سعيٌ جديد يتحول بمرور الوقت إلى محطة جمود، قد تشكّل مدخلاً لمنحدر خطير.
على الجانب الآخر، نجد الفلسفة التي صنعت أعظم الحضارات: الإيمان بأن التنمية فعلٌ لا يتوقف، وبأن سباق التميز مفتوح لا يرفع فيه أحد الراية معلناً الوصول.
هذه الفلسفة هي التي تدفع الحكومات الرصينة إلى الاستثمار المستمر في الإنسان قبل أي شيء، وفي تحسين جودة التعليم، وتطوير الخدمات الصحية، وتعزيز البُنية التحتية، وتوسيع آفاق التجارة والصناعة والزراعة، وترسيخ سيادة القانون باعتبارها الأرضية التي تُبنى عليها المجتمعات المستقرة، والمُستشرفة للمستقبل.
حين يرى المواطن أن حكومته لا تتوقف عن العمل، ولا تكتفي بما تحقق، ينعكس ذلك مباشرة على سلوكه اليومي. يشعر بأن أمامه مجالاً واسعاً ليفكر، ويبدع، ويبتكر، ويُضيف قيمة جديدة مهما كانت صغيرة. يصبح مقتنعاً بأن التميز ليس حدثاً يُسجّل، بل مُمارسة يومية تُبنى بحكمة وبصبر. فحين يختفي خط النهاية من الخيال الجمعي للمجتمع، يصبح الجهد قيمة، والإنجاز عادة، والتراجع خياراً غير مطروح في الحسابات.
إن الإنسان، أي إنسان، خُلق ليبحث ويستكشف ويطوّر، لا ليصل إلى نقطة ويعلن الاكتفاء. وما دامت الحياة مستمرة، كان ينبغي للعمل والاجتهاد أن يستمرا معها. فالتغيير الحقيقي لا يحدث دفعة واحدة، بل يحدث حين يقرر كل فرد أن يُسهم في محيطه، في بيته، في مجتمعه، مهما بدا إسهامه بسيطاً. المجتمعات التي تصنع مستقبلها هي تلك التي تفهم أن التنمية ليست مشروعاً حكومياً فقط، بل ثقافة يعيشها الناس في تفاصيل يومهم.
ختاماً نقول.. يصبح الطريق نحو التميز سبيلاً لا نملّ المسير فيه، لأنه ليس طريقاً للسبق على الآخرين فحسب، بل رحلة لتحسين أنفسنا، وتحسين واقعنا، وتحسين الغد الذي سنتركه لمن بعدنا.