يعد الإعلام شريكاً أساسياً في أي تحول اجتماعي أو اقتصادي، ولا يمكن لسياسات التوطين وتمكين المواطنين أن تحقق أهدافها الكاملة دون أن يتبناها الإعلام قضية وعي وطني لا تقل أهمية عن القضايا التعليمية أو التنموية، فالتشريعات والبرامج الحكومية، مهما بلغت قوتها، تحتاج إلى خطاب إعلامي داعم، يعيد تشكيل الصورة الذهنية، ويواكب التحولات في سوق العمل.
ولا تزال صورة العمل في القطاع الخاص لدى بعض فئات المجتمع بحاجة إلى إعادة رسم، فكثير من الشباب يتأثرون بما يسمعونه من أقرانهم وأصدقائهم، فإذا كانت القصص المتداولة تركز على الإرهاق أو فقدان الوظيفة أو ضغوط العمل فمن الطبيعي أن يتولد التردد.
في المقابل حين يبرز الإعلام قصص نجاح لمواطنين تفوقوا في شركات خاصة، أو أسسوا مشاريعهم الريادية، تتحول النظرة من القلق إلى الطموح، ومن التردد إلى المبادرة.
من هنا تقع مسؤولية كبيرة على القنوات التلفزيونية، والصحف، والمنصات الرقمية في إبراز النماذج المضيئة، وتسليط الضوء على التجارب الوطنية الناجحة في القطاع الخاص، وربط العمل المنتج بقيم الانتماء والمسؤولية الوطنية. ويمكن للدراما والبرامج الحوارية والوثائقية أن تلعب دوراً مؤثراً في غرس فكرة أن العمل في القطاع الخاص ليس خياراً ثانوياً، بل مساراً وطنياً متكاملاً، يسهم في بناء الاقتصاد، كما يمكن للجهات الإعلامية الرسمية أن تعزز التعاون مع مؤسسات الدولة، مثل وزارة الموارد البشرية والتوطين وبرنامج «نافس»، لإطلاق حملات توعوية مستمرة، تشرح الفرص المتاحة، وتبسط آليات الاستفادة من المحفزات، وتعرض المسارات المهنية الممكنة للمواطنين داخل القطاع الخاص، فالمعلومة الواضحة والمباشرة قادرة على إزالة كثير من المخاوف وسوء الفهم.
ولا يقتصر دور الإعلام على الترويج، بل يمتد إلى صناعة خطاب ثقافي جديد، يربط بين العمل والإنتاج والاستقرار، ويعيد تعريف النجاح المهني بعيداً عن القوالب التقليدية، فحين يرى الشاب نماذج واقعية قريبة منه يزداد إيمانه بأن الفرصة ممكنة.
رأيي أن الإعلام ليس ناقلاً للخبر فقط بل صانعاً للوعي، وموجهاً للرأي العام، ومتى تبنى فكرة أن التوطين مسؤولية وطنية جماعية فسيتحول من مراقب للسياسات إلى شريك حقيقي في إنجاحها، فالقصة التي تروى جيداً، في الوقت والمكان المناسبين، قد تغير مسار جيل بأكمله.