بوخالد في يومنا الخالد: الإنسان محور المسيرة

في يومنا الوطني الخالد، في الثاني من ديسمبر، وقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، بين إخوانه حكام الإمارات، حفظهم الله ورعاهم جميعاً، وقال كلمات سجلها التاريخ بأحرف من نور: «أخذنا الاحتفال الرسمي بعيد الاتحاد الرابع والخمسين في متحف زايد الوطني بأبوظبي في رحلة وطن وحضارة وشعب، تمتد عبر آلاف السنين، وتضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وقصة نهضة تربط الماضي بالحاضر والمستقبل، في هذه المناسبة الغالية نستحضر مسيرة بناء الإمارات، التي كان الإنسان محورها ومصدر قوتها، ونؤكد أن أبناء الوطن هم أغلى ثرواتنا، وأساس تقدمنا وازدهارنا، والركيزة التي نبني عليها مستقبلنا».

بالتأكيد فإن كلمات القائد تفتح لنا جميعاً بوابات واسعة المعنى، تحتاج إلى مجلدات لتصنيفها وتحليلها، فصاحب السمو رئيس الدولة يطل على أبناء شعبه بدفء صادق، ويمنحهم موقع القلب في قصة الوطن. وكل جملة لسموه تضع الإنسان في مركز النهضة وتنقش في الوجدان وعداً قائماً ومستمراً، وهي في الوقت ذاته تتشكل رؤية تحتضن كل مواطن، وتمنحه موقعه في البناء، حيث تتسع الدلالات الثقافية، في هذا المتحف العالمي الأسطورة، في المكان ذاته الذي يعيد رواية الحكاية منذ بداياتها، ويضعها في طريقها الصحيح، الذي يمضي نحو المستقبل، فتتكامل فيها الذاكرة مع الحب والحلم والمودة، محمولة على منظومة قيم الأجداد والأسلاف وماضيهم العريق الجميل.

احتفالات الثاني من ديسمبر لا تنتهي بانتهاء ذلك اليوم الخالد، فنلاحظ أن المشاعر ظلت معلقة في فضاء الوطن الرحب، والاحتفال الممتد عبر الوطن يمتد أيضاً عبر نافذة تنفتح على الذاكرة الإماراتية الجماعية، وتعيد إلى الوعي صوراً قديمة، وحين تأسس الاتحاد تتبعها صور الماضي القريب والحاضر الذي يشهد النهضة والتطور، ما يعني حضور الجذور، وكذلك استمرار جمال اللحظة التي يعيشها المواطن، فهي حقاً لحظة يتداخل فيها التاريخ مع الثقافة الشعبية، ومع مستقبل يتسع بقوة الإنجاز الوطني المبهر.

من وجهة نظري، تزداد رحلة الحب العميقة بين المواطن والوطن، وتزداد ثراء في كل التجمعات البهيجة والفعاليات، التي المميزة في كل منطقة وبقعة في دولة الإمارات، التي حضرها الجميع، مواطنون ومقيمون وزائرون، فأبهرتهم الأهازيج والعروض التراثية، وشدهم تنوع البرامج الثقافية، التي ملأت فضاءات الوطن بأضواء نابضة بالحياة، والتي حفزت الباحث لقراءة الهوية الراسخة المتجددة، التي جعلت من مجتمع الإمارات مجتمعاً فسيفسائياً، تبرز فيها هويتنا الثقافية الوطنية في العمق، تحيطها ثقافات متنوعة متناغمة مع عراقة وأصالة هويتنا الوطنية.

«متحف زايد الفريد الأسطورة» يقدم دروساً عظيمة عن تاريخنا المشرق، على رأسها سيرة القائد المؤسس المغفور له، بإذن الله، الشيح زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بكل تفاصيلها الإنسانية، وسيكون الركن الأساسي في تعريف الأجيال بحكمته وفلسفته في بناء الدولة، ويضع أمام الزائرين تجربة تحاكي مراحل تطور الإمارات من صحراء قاحلة إلى دولة في أعلى المراتب العالمية، حيث يلعب دور المربي الثقافي للقيم التي قامت عليها البلاد، فالقاعات والوثائق والصور تروي الحكاية، وتخاطب الوجدان وتمنح أبناء الإمارات فرصة للتعمق في ما يمثله الوطن من رسالة ومسؤولية.

رأيت أن الاحتفالات الوطنية، التي شهدناها خلال عطلة العيد للاتحاد قد أظهرت تطوراً واضحاً في علاقة المجتمع بهويته، لم تقع عيني على مكان إلا وفيه يرفرف علم الدولة العزيز، فالعلم كان وما زال وسيبقى فوق معظم البيوت والمؤسسات والساحات، وفي كل مكان، ما هو في القلوب، وقد شاهد الكثيرون فنوننا الشعبية، التي تقربنا أكثر من تاريخ الأجداد، إنه حقاً الشعور بالانتماء إلى إمارات العزة والفخر، إمارات القائد الحكيم الذي يرى في الإنسان ركيزة المستقبل ومصدر قوة الأمة، ويرى أن كل إنجاز يجب أن ينعكس مباشرة على حياة الناس وطمأنينتهم، لتتعمق الهوية، وتتراكم اللحظات، التي يعيشها الناس بمحبة وفخر، ويتقدم الوعي خطوة بعد خطوة نحو إدراك أن الوطن هو عالم من القيم والعلاقات والذكريات والتطلعات المشتركة.

الاحتفال بعيد الاتحاد، بالنسبة لي، وبالنسبة لكل مواطن ومقيم ومحب للإمارات لا يتوقف، فالشعب كله عاش أيام الفرح بروح عالية تملؤها الثقة بلا حدود بالقائد الغالي على قلوب الجميع «بوخالد»، الذي يقود المسيرة، ويسهر على راحة وأمان كل فرد في المجتمع الإماراتي، ويحمي الوطن، ويرفع مكانته بإنجازات تسابق الريح، وكذلك يتابع سموه بنفسه، ليتأكد أن كل فرد في هذا المجتمع هو محورها، ومصدر وقوتها، وهو شريك حقيقي في الإنجازات، لذلك، وحسبما رأيت وتابعت بنفسي، ظهرت الفرحة بعيد الاتحاد الـ 54 طاقة متجددة، وأفقاً مفتوحاً أمام الجميع للبناء والإبداع وخدمة مسيرة الإمارات وتقدمه وازدهاره لبناء المستقبل.