التطورات والخطوات التي تشهدها بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة خلال الفترة الأخيرة، والمتمثلة باتخاذ بعض الإجراءات القانونية كمشروع قانون أمريكي لتصنيف جماعة الإخوان تنظيماً إرهابياً، يعد في السياقات السياسية حدثاً وخطوة غير عادية، هذه الخطوات الأولى، رغم أنها البدايات التشريعية التي يمكن أن تأخذ وقتها حسب القوانين والإجراءات في كل دولة، إلا أنها تحمل دلالات ومؤشرات تتجاوز الدول الغربية.
السؤال المهم، لماذا جاءت هذه التحركات والخطوات لتصنيف هذه الجماعة كتنظيم إرهابي بالنسبة لأمريكا والغرب؟، وما الخطر أو التهديد الذي بدأت تشعر به الحكومات الغربية لتتجه لتصنيفهم جماعة إرهابية؟، رغم أن جماعة الإخوان منذ تأسيسها جماعة مهددة للأمن والسلم والمجتمعي، وما فعلوه في بعض الدول العربية من إرهاب وتخريب وفساد يعد واضحاً، إلا أن بعض الحكومات الغربية كانت داعمة لهم ومؤيدة بل توفر لهم البيئة والسياسات والمقرات، ربما لأنهم يرون، وكانوا يظنون أن شرهم بعيد ولن يصل لمجتمعاتهم.
بالنسبة لي، اللافت للانتباه هو التوقيت، حيث إن الدول الغربية في هذه المرحلة تطرح العديد من التساؤلات المتعلقة بالدولة الوطنية ومهددات الهوية الوطنية في المجتمعات الغربية، كذلك تراجع الكثير من المسلّمات التي تبنتها منذ عقود مضت بشأن الجماعات السياسية والدينية العابرة للحدود، خاصة ما يطلق عليها جماعات أو تيارات الإسلام السياسي وعلى رأس هذه الجماعات تنظيم الإخوان.
في السياسة، ولنأخذ الحكومة والأنظمة الأمريكية مثالاً، من المؤكد أن خطوة مثل هذه لم تكن فجأة أو تحولاً لحظياً، بل نتيجة لمجموعة من النقاشات والدراسات والمواقف والتجارب، رصدت في الداخل الأمريكي أو في الخارج، فجماعة الإخوان تظهر نفسها في الغرب كجماعة اجتماعية خيرية، وتملك العديد من المراكز الدعوية والثقافية والمدارس وجمعيات المساعدات، إلا أن التجارب أظهرت لأمريكا والغرب أن الجماعة تتمتع ببنية أيديولوجية خاصة ربما تكون مهددة للمجتمعات الغربية، بالإضافة إلى الهيكل التنظيمي العابر للحدود.
في السابق، كان الخطاب المزدوج للجماعة نقطة قوة لها، حيث استطاعت من خلاله، بالمراوغة واستخدام التقية أحياناً، التكيف والتأقلم مع الظروف والتحديات، إلا أن هذا الخطاب المزدوج يمكن أن يكون اليوم هو التهديد المباشر لهذه الجماعة، حيث قامت الحكومات الغربية بإعادة النظر في تفكير تنظيم الإخوان وطبيعته وأثره على الاستقرار الداخلي.
تنظيم الإخوان أو الجمعيات التابعة له تقدم خطاباً عاماً يدعم ويؤيد احترام القانون والالتزام به، وفي نفس الوقت يقدم خطاباً داخلياً مختلفاً تماماً، من خلاله يركز على تشكيل الولاء للجماعة ومرشدها، وهذا الخطاب يتعارض مع مفهوم الدولة الوطنية بل هو مهدد لها، وخاصة من قبل تنظيم الإخوان الذين لا يعترفون بالأوطان وما هي إلا حفنة تراب في مفهومهم.
لكن إن أراد الغرب حقاً التعامل مع هذه الجماعة الإرهابية بما يحمي أمنه واستقرار دوله وحماية مجتمعاته من خطرها وشرها، عليه الاعتراف بخطرها وما قامت به في الدول العربية من عمليات إرهابية وتدمير وتخريب، ويبتعد عن استخدام الشعارات والمفاهيم الجذابة.
الدول العربية هي الأكثر فهماً لفكر وأيديولوجية جماعة الإخوان، فقد كشفت تجارب بعض الدول العربية أن الإخوان رغم اندماجهم الظاهري في المجتمع، إلا أنهم يمتلكون فكراً وأيديولوجية ورؤية تختلف بل تتعارض مع الدولة والمجتمع، ودائماً مصلحة الجماعة هي الأهم، حتى لو عانت الدولة من حرب ودمار وقتل وتشريد، فلا قيمة للسلام وحفظ الأرواح إذا تعارض مع مصلحة الجماعة.
في اعتقادي، أن التحول الغربي نحو جماعة الإخوان ليس مجرد إعادة قراءة وتقييم لجماعة سياسية أو اجتماعية، بل انعكاس للمراجعة الغربية فيما يتعلق بمستقبل الدولة وقيم المجتمع، ففي الغرب اليوم تتزايد النقاشات حول الهجرة التي تعاني منها الكثير من الدول، بالإضافة إلى اندماج المهاجرين في المجتمعات الغربية والتعددية والولاء وغيرها، لذا فمن الطبيعي أن يفكروا كيف يحافظون على مجتمعاتهم وتماسكها الاجتماعي في ظل التنوع والتعدد الثقافي والاختلاف في القيم والمعتقدات.
بهذا، تنطلق الحكومات الغربية في قراراتها ومواقفها من التجارب وليس من الافتراضات، وهنا جوهر تحولهم في التعامل أو التصنيف، ما يحدث اليوم من تحولات تجاه جماعة الإخوان، مؤشر على أنه بداية مرحلة جديدة ومختلفة للإخوان، فمكانهم الجديد لن يكون هو منذ عقود مضت.