استراتيجية الدفاع.. مقاربتا الحكومة والمجتمع

من أهم مسؤوليات أية دولة الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي للوطن، قدرة الدول على فعل ذلك يحميها من العدوان ويعزز من شرعيتها، لأن المواطنين تنازلوا جزئياً عن استقلالهم الفردي للدولة لكي تقوم بالحماية، وإلا ستكون حرب الكل ضد الكل كما قال المنظر السياسي توماس هوبز. وعلى مدى التاريخ الحديث وقع مسؤولية حماية الأوطان على الجيوش النظامية وعلى الأجهزة الأمنية للحفاظ على الأمن الداخلي، ولكن حديثاً تطور مفهوم الحكومة الشاملة في حماية المكتسبات الوطنية.

استراتيجية الحكومة الشاملة تسعى إلى حشد كافة مؤسسات الحكومة في سبيل التعامل مع الأزمات أو التهديدات الأمنية، ولا يقتصر الأمر على الحروب بل حالات الأزمات أيضاً مثل الزلازل والفيضانات وانتشار الأوبئة، والتي يتطلب جهود كافة مؤسسات الدولة وليس المؤسسات المعنية بتلك الأزمة سواء كانت الصحية أو تلك المختصة بالدفاع المدني. وأهمية هذه المقاربة تنبع من تحقيق الاستدامة والاستمرارية في الأعمال.. الاستعداد الحكومي على كافة المستويات مهم لجهة التمكن من الاستمرارية بعيد الأزمة، سواء كانت البنية التحتية لتقديم الخدمات أو دور المؤسسات بشكل عام.

وتشير المصادر إلى أن تعريف مفهوم الحكومة الشاملة يعني تنسيق وتعاون كافة مؤسسات الحكومة نحو سياسة عامة لتعظيم الموارد وتفادي التكرار وتقليل النفقات وتقديم الخدمات بشكل سلسل وسهل. ومن خلال هذه الوسيلة يمكن خلق مركز متابعة لمراقبة التنسيق لتفادي التباطؤ وتحييد التنافس بين وكالة الدولة والحرص على مناطق سلطتها في التنفيذ سوى في مواجهة أزمة أو تنفيذ سياسة عامة.

وفي معرض مؤتمر عقد مؤخراً قدم منهجية جديدة تتحدث عن تجاوز مقاربة الحكومة الشاملة إلى مقاربة المجتمع الشامل لمواجهة الكوارث أو أعمال الإرهاب والأزمات عموماً. وتتمثل مقاربة المجتمع الشاملة إلى نموذج أمنى شامل يتم انخراط جميع أفراد المجتمع بكل قطاعاته في الدفاع عن البلاد، بما فيها القطاعات العسكرية والأمنية والقطاعات المدنية.

ومع تصاعد الأزمة الأوكرانية والتهديد المباشر التي تستشعر به الدول الأوروبية، قامت فلندا والتي تحاذي روسيا بشكل مباشر بتطبيق نهج المجتمع الشامل في مقاربة الدفاع عن بلادها. وتقول مقالة نشرت حول هذا الموضوع بتاريخ 7 أكتوبر الماضي إن النهج الجديد للدفاع يوزع المسؤولية على المستويات المختلفة من المجتمع، وهذا النهج يركز على استمرارية وظائف الدولة الحيوية بأفضل الطرق في مواجهة المخاطر الكبيرة، وقد ذكر وزير الدفاع الفنلندي، أن مسؤولية الدفاع عن وطن هو هدفنا الأول.

وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف في الدفاع الشامل أنشئت ملاجئ تتسع لأكثر من سكان العاصمة. كما الاستراتيجية الدفاعية تطلب من العوائل تخزين مواد غذائية ووقود لكل فرد لمدة 72 ساعة في حالات الهجوم أو الأزمات. والغرض من مدة ثلاثة أيام هي تعزيز مفهوم الاستمرارية وحث الناس على الاعتماد على النفس إلى أن تستطيع المؤسسات الحكومية والمدنية استعادة زمام المبادرة. وتقوم مؤسسات غير حكومية على تدريب الأفراد والأسر على التكييف على تغيير الأوضاع بسبب الأزمات.

ولا تكتفي الاستراتيجية على حماية الحاجات المادية مثل الطعام والوقود والسلامة والأمن الشخصي، ولكن أيضاً تسعى إلى تعزيز المرانة الذهنية لتقبل الوضع الجديد. كما تسعى الاستراتيجية إلى المحافظة على الصحة العقلية للأفراد والأسر ودرء إشاعة الهلع بين السكان، ومن خلال الحملات الوطنية والتعليم يتم السعي إلى المحافظة على الطمأنينة والسكون في مواجهة الأزمات المختلفة.

لقت الاستراتيجية رواجاً عالمياً بسبب القلاقل التي تواجه كثيراً من المناطق. وقد شرعت تايوان والتي تتخوف من الجارة الكبيرة الصين بتبني استراتيجية الدفاع الشاملة.. قضية مهمة واستراتيجية تحتاج إلى التمعن وخاصة في منطقتنا العربية لأن التاريخ يحبذ المستعدين لتقلباته.