من أغرب ما يُروى في عالم التجارب ما يعرف بـ «نظرية الضفدع المغلي»، فقد أجريت في القرن التاسع عشر تجارب أظهرت أن الضفدع إذا ألقي في ماء يغلي قفز لينجو بنفسه، أما إذا وُضع في ماء فاتر وارتفعت حرارته ببطء، فإنه يستكين حتى يألف الدفء، ويظل غافلاً إلى أن يفقد القدرة على النجاة.
ورغم ما أثير حول صحة التجربة من الناحية العلمية، فقد أصبحت الاستعارة التي تحملها أكثر رسوخاً من تفاصيلها: إن الخطر حين يتدرج بصمت يطمئن الإنسان حتى يألفه، فلا يدرك فداحته إلا بعد فوات الأوان.
هكذا هي القيم والثقافة حين تُهمل، لا تسقط فجأة، بل تذبل في صمت. ولعل من أعظم ما يتهددنا اليوم ليس فقدان ثروة مادية ولا تذبذب موارد اقتصادية، بل ضياع لغة هي روحنا الجامعة وصوتنا العميق: العربية.
فهي ليست مجرد وسيلة تواصل، بل وعاء ثقافة ورمز انتماء ومفتاح دين. ومع ذلك نراها تنزلق من بين أيدينا في صمت بطيء لا نكاد ننتبه له.
لست هنا للوقوف عند حدود المشكلة، ما أبتغيه هو النظر إليها من باب الحل الجذري ولو طال أمده، مع إدراك أن الطريق يبدأ بخطوات صغيرة لا يجوز إهمالها.
فالعربية يمكن أن تُبعث في البيت حين تختار الأسر مخاطبة أبنائها بها في تفاصيل الحياة اليومية، وفي المجتمع حين يُحتفى بها في المجالس والمؤتمرات، وفي الإعلام لصناعة محتوى عربي أصيل وجذاب.
وعلى المدى الأبعد، تبقى الدولة هي الحارس الأكبر بسياسات تعيد للعربية مكانتها، وهنا نستطيع أن نتعلم من تجارب غيرنا، فبعد الحرب العالمية الثانية ومع صعود الإنجليزية، خافت فرنسا من ذوبان لغتها فأصدرت قانون توبون لتلزم باستخدام الفرنسية في الإعلام والتعليم والعقود والمراسلات الرسمية.
كما أنشأت الأكاديمية الفرنسية لتطوير المصطلحات والمراقبة، ما جعل الفرنسية حتى اليوم لغة رسمية قوية في الاتحاد الأوروبي رغم ضغوط العولمة.
وحماية العربية في وطننا الإمارات لها معنى أعمق، فهي ليست لغة وحسب، بل هوية دولتنا العربية المتحدة، فمنذ اللحظة الأولى للاتحاد كانت العربية رفيقة التأسيس وصوت الروح، فكما نحرس اتحادنا ونراه مصيراً، علينا أن نصون لغتنا ونراها حياة.
العربية ليست في حاجة إلى بكاء على الأطلال، بل إلى مشروع إحياء متكامل يبدأ من البيت، يستمر في المجتمع، يحتمي بالدولة، ويتجدد في التقنية والعلوم، وعندها فقط تبقى حية ولا نكون كضفدع غفل حتى فات الأوان.