قال الرجل بلهجةٍ قاطعةٍ إن المعركة يجب أن تُحسم عسكرياً، وإن الذين تآمروا على الوطن، حسب تعبيره، لا يمكن أن يُعاد دمجهم أو التحاور معهم، بل ينبغي اقتلاعهم من جذورهم. كلمات حادة، مباشرة، لا تترك خلفها سوى غبار المعارك التي وعد بمواصلتها، ولا تمنح أملاً لمن ينتظرون نهاية الكابوس الذي طال ثلاث سنوات.
لم تكن الكلمات طويلة، ولم تحمل وعوداً صريحة، لكنها أوحت بأن الرجل، الذي أمضى شهوراً يردد أن الحرب خيار لا بديل عنه، ربما بدأ ينصت أخيراً إلى النداءات التي تتعالى داخل السودان وخارجه لوقف هذا النزيف العبثي. بدا وكأنه يلوّح، ولو على استحياء، بأن باب الحل السلمي قد يفتح، وأن صدى الضغوط الدولية والإقليمية وصل إليه.
فحتى الذين يختلفون معه قرأوا فيها شيئاً من التعب، أو ربما اعترافاً خجولاً بأن الحرب طالت أكثر مما يحتمل السودان، لكن السياسة لا تقرأ بالنوايا. السياسة تقرأ في الغرف المغلقة، حيث تطبخ القرارات على مقاس الذين يمسكون بخيوط اللعبة.
لم يلبث الرجل أن عاد إلى خطاب الحسم العسكري، وكأن تغريدته كانت فاصلاً قصيراً بين جملتين من اللغة ذاتها. عاد ليؤكد أن السلاح وحده هو الطريق، وأن الخونة والمتآمرين، وهو الوصف الذي يطلقه يطلق على خصومه السياسيين، لا يمكن التعامل معهم إلا بالنار. كأن البلاد لم تتشظ بما يكفي.
وكأن ملايين النازحين لم يفقدوا بيوتهم، وأمنهم، وأحلامهم. وكأن المدن التي تحولت إلى ركام، والقرى التي ابتلعتها النيران، ليست سبباً كافياً ليقف صاحب القرار أمام مرآة الحقيقة التي يهرب منها كل يوم.
وهي مجموعة تدرك أن أي مفاوضات حقيقية ستقصيها من المشهد، وربما تحاسبها على سنواتٍ من الفساد.
لذا لم يكن مفاجئاً أن تأتي ردة الفعل على تغريدة البرهان سريعة وحادة، حتى من داخل الدائرة الأقرب إليه. قيل له إن السلام في هذا التوقيت خيانة، وإن الحرب وحدها طريق النصر، وكأنهم يتحدثون عن مباراة كرة قدم، لا عن وطنٍ يتآكل من أطرافه.
عاد الرجل إلى خندقه القديم، حيث تبنى الخطابات على مفردات القوة لا المصالحة، وحيث يرى نفسه قائداً لمعركة استعادة الوطن، كما يصور له غروره، بينما الوطن يبتعد عنه أكثر فأكثر.
عاد إلى خطابٍ لا يترك مساحة لغير الحرب، رغم أن الجميع، حتى أقرب الحلفاء، يعرفون أنها حرب لا تحسم بمعادلة صفرية.
فالسودان لا يدار بمنطق الغالب والمغلوب، بل بمنطق الشراكة التي يرفضها من يحركون المشهد اليوم.
وربما شعر للحظة بأن استمرار الحرب سيصبح عبئاً عليه وعلى حلفائه. ولكن سرعان ما أعادته المنظومة التي ينتمي إليها إلى المسار الذي تفضله، لأن السلام بالنسبة لهم ليس خياراً، بل تهديداً مباشراً لوجودهم.