سفينة الكرم والإخاء والشهامة

منذ أكثر من خمسين عاماً ما زالت دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مبسوطة الكف بالعطاء، ممدودة اليد بفعل الخير، سباقة إلى إغاثة الملهوف وتفريج كربة المكروب، يحدوها في هذا الصنيع الإنساني النبيل مواقف فذة وأفكار صافية غرسها مؤسس هذه الدولة وباني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي رسخ قيمة البذل والعطاء كقيمة أخلاقية وإنسانية داخل مؤسسات الحكم وفي صميم الوجدان الشعبي ليظل مفهوم البذل والعطاء إرثاً يتوارثه القادة والشعب، وتعبيراً صادقاً عن روح النبل التي يتمتع بها هذا الشعب الذي ما أدار ظهره في يوم من الأيام لشقيق أو صديق، حتى أصبحت دولة الإمارات واحدة من النماذج الإنسانية الراقية التي ينظر إليها العالم كله بعين التوقير والحب والاحترام.

في هذا السياق الأخلاقي النبيل أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، عن واحدة من أكبر المبادرات الإنسانية من خلال مبادرات محمد بن راشد بالتعاون مع حملة الفارس الشهم لإغاثة الأشقاء في غزة من خلال تجهيز سفينة ضخمة بأكثر من عشرة ملايين وجبة تكون تعبيراً عن مدى الإحساس بالمسؤولية التي تستشعرها الدولة تجاه الأشقاء لا سيما في هذه الظروف المأساوية التي لا تخفى على أحد، ولتكون هذه الخطوة حلقة في سلسلة متواصلة من مواقف العطاء والمساندة التي بذلتها دولة الإمارات خلال المراحل السابقة والتي بلغت أربعين بالمئة من حجم المساعدات التي وصلت إلى غزة أثناء أتون الحرب مما يدل على أن هذه الدولة لم تكن بمعزل عن ظروف الأشقاء الذين اصطلوا بهذه النار التي أكلت الأخضر واليابس، وجعلتهم في ظروف قاسية تحتاج إلى مزيد من العطاء والبذل والإيثار.

«تعتزم مبادرات محمد بن راشد العالمية تجهيز 10 ملايين وجبة لإغاثة إخوتنا في غزة بالتعاون مع حملة الفارس الشهم 3.. نعتزم تحميل سفينة كاملة بأكثر من 10 ملايين وجبة خلال الأيام القادمة» بهذه الروح المفعمة بالحب والعطاء وفعل الخير أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن هذه الحملة الكبرى التي تعتزم توفير هذا العدد الضخم من وجبات الطعام للأشقاء في غزة المنكوبة، وهي خطوة دالة في مغزاها العميق على روح التعاطف والإخاء بين أبناء هذه الأمة، وتليق بهذه الدولة من خلال هذه المؤسسة المتميزة «مبادرات محمد بن راشد العالمية» التي وصل عطاؤها إلى جميع أصقاع المعمورة، ولم تتوان أبداً في مد يد العون والمساعدة لكل محتاج لتكون هي المرآة الصادقة التي تعكس روح العطاء في شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي عودنا على إطلاق الكثير الكثير من المبادرات الإنسانية التي تحث الناس على البذل والعطاء، وقد عبر عن طبيعة تفكيره في هذه الفضيلة الإنسانية حين قال في كتابه الثمين «علمتني الحياة»: «أتعمد في الكثير من الأعمال الإنسانية إطلاق حملات مجتمعية تحث الناس على المشاركة والبذل، وهدفي الحقيقي ليس المال بل هدفي هو وفرة القيم، وتنمية ثروة الأخلاق والرحمة، وغرس روح البذل والمعروف، وبناء أجيال تعتاد فعل الخير وتجعله جزءاً من حياتها».

«نريد إرسال رسائل محبة وتعاضد وتضامن لإخوتنا في غزة من المواطنين والمقيمين عبر هذه الحملة الإنسانية، وقفتنا مع إخوتنا مستمرة» في هذا المقطع من تغريدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تأكيد على المغزى الأصيل من هذه الحملة، وهو أن الهدف الأكبر هو توصيل رسالة محبة وتكاتف وتعاضد بين الأشقاء ليكون هذا العمل الخيري أحد مظاهر التعبير عنه، وأن هذه العلاقة ليست طارئة ولا مؤقتة بل هي دائمة مستمرة تعكس عمق الإخاء والتحام المصير بين جميع أبناء هذه الأمة الواحدة.

«أكثر من 40 % من مساعدات العالم لغزة خلال العامين الماضيين كانت من دولة الإمارات وحدها، ولن تتوقف، بل ستستمر وتزيد بتوفيق الله وبمتابعة وحرص رئيس الدولة، حفظه الله، وجميع أهل الخير في بلادنا» وإذا كان ما سبق من كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد يتحدث عن الجوهر الأخلاقي لموقف الدولة والشعب، فإن هذا القسم من كلامه يتحدث عن لغة الأرقام والتي تثبت عمق الالتزام الذي تشعر به الدولة تجاه الأشقاء في غزة، وأن هذا الالتزام لن يتوقف لأنه يحظى بدعم مباشر من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تماماً كما يحظى بدعم القاعدة الشعبية من المواطنين الشرفاء الذين يلبون كل نداء يرفع عن إخوتنا شيئاً من الضيم الذي لحق بهم في هذه الحرب الضروس التي أنهكتهم وعادت عليهم بكثير من الآلام والأوجاع التي تحتاج إلى الكثير الطيب من المواقف التي ترفع المعاناة وتعيد رسم ملامح الأمل على وجوه الأشقاء في غزة خصوصاً وفلسطين عموماً.