الصراعات تُحل بالحوار

تثبت التجارب التاريخية التي مرت بها الأمم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 أن الحوار السياسي والتفاوض هما مفتاح الحل لكل الصراعات العسكرية.

وأن الحروب التي لا تجني منها إلا الدمار والمجازر المروعة لا تنتهي إلا بجلوس المتخاصمين على طاولة المفاوضات من النقاش للوصول إلى تفاهم.

كذلك، أثبتت تلك التجارب أنه حتى في حال استطاع طرف من إنهاء الصراع لصالحه بالقوة العسكرية؛ فإن مسألة استمرار الصلح والهدوء يكون بشكل دائم محل شك من عودة الصراع والانتقام؛ لذا يبقى الحوار أفضل السبل لضمان أطول فترة استقرار وهدوء بين المتحاربين.

الدبلوماسية هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن استخدامها لوقف تدهور حالات الصراعات في العالم والعودة إلى الوراء بأقل قدر من إهدار مكتسبات الدولة. والحوارات بين السياسيين والتفاوض بين الدبلوماسيين هي أدوات متعارف عليها لحل الصراعات.

وهذا يحتاج إلى التفكير في المصالح المشتركة والاعتراف بأن التفاهم والتسامح هما القراءة الصحيحة لتجارب التاريخ، فلدينا مثالان مهمان: رواندا الدولة التي نهضت من وحل العنف الأهلي لتكون واحدة من أرقى دول القارة الأفريقية.

ولدينا جنوب أفريقيا التي لم يخدمها الصراع الممتد لعقود بقدر ما أظهر نجاحها التصالح بين شعب الدولة الواحدة، فأخطر شيء على الأمم والأوطان التصلب في مواقف السياسيين.

وتعد الصراعات الداخلية للدول أو ما يعرف بالحروب الأهلية من أخطر أنواع الصراعات في العالم، على مستوى ارتكاب الجرائم والتدمير، حيث تنتشر الكراهية والعنف بين شعب الدولة الواحدة وتدمر الاقتصاد الوطني للدولة.

وبالتالي تكون مسألة معالجة تراكمات هذه النوعية من الصراعات مسألة أكثر تعقيداً لا سيما إذا تداخل مع الصراع أو الحرب الأهلية أيديولوجية سياسية لا تنظر لمصلحتها أو واكبت الصراع على السلطة كما هو حال السودان في وقتنا الحاضر.

وفي مثل هذه النوعية من الصراعات يغفل السياسيون والمتصارعون كل تلك المحاذير والمخاطر، لأن العدسة التي ينظر منها هو محاولة بث أكبر قدر من المخاوف بين المواطنين من خلال القتل بطريقة ممنهجة ومتعمدة.

وبناء على ما تطالب به الدبلوماسية الإماراتية في المحافل الدولية وتكرر في خطاباتها السياسية المختلفة بأن حل الأزمات والصراعات لا بد أن يتم بالحوار والتفاوض إنما هو نتاج معرفتها وإدراكها بالتجارب التاريخية التي مرت على العالم.

بل يمكن القول إن أغلب الصراعات الممتدة في العالم ومنها الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يندرج ضمن أن الصراع لم يتم حله بالطريقة العادلة، والمقصود بالعادلة هنا أن رضى طرفي الصراع بالحل عن طريق التفاوض وإنما كان يتم العلاج أو الحل بطريقة طارئة ولحالة محددة فقط.

والحوار السياسي كلما تأخر فإن الصراع يتعمق ويدخل في مأزق يصعب من عملية تفكيكه، لأنه يدخل في ارتباطات جديدة بعضها داخلية وبعضها خارجية.

وبحكم هذا التعقيد تزداد الفوضى ويغيب صوت العقل ويراكم المشكلات ويتشوش الأفق السياسي إلى درجة الانسداد، ويتفاقم معها العديد من الأعباء التي تصل في بعض الأحيان إلى انقسام البلد جزءاً من الحل بعدما تتدخل القوى السياسية الكبرى في العالم.

لا يمكن الاستمرار في سياسات رفض الحوار والتفاوض كأسلوب حل للأزمات والصراعات من باب الرغبة في القضاء على الآخر اعتقاداً بأن ذلك سيغير الوضع إلى الأحسن؛ لأنه بهذا الشكل سينتقل الوضع من حالة الشلل إلى أن يكون مستنقعاً غير قادر على المعالجة.

كما لا يمكن الاعتقاد بأن تجاهل نداءات المؤسسات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان مثل محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية يمكن حل الأزمة. فالذي أحيا قضية شعب غزة هو الرأي العام الدولي الذي أجبر حكومات العالم على ممارسة الضغط على حكومة بنيامين نتانياهو ليس فقط من أجل إنهاء الحرب.

ولكن في إعادة الحديث عن حق الشعب الفلسطيني في الحصول على دولته، ويمكن إسقاط هذا الموقف على أي أزمة في العالم، ومنها الحرب الأهلية في السودان.