متى تُغمد السيوف في لبنان؟

لم أزر لبنان منذ أكثر من عشر سنوات، لم يكن ذلك بقرار مني، وإنما بسبب الظروف التي كانت تمر بها لبنان، فلم يكن الأمر مستقراً، كما أن القرار السياسي المركزي لم يكن واضحاً، وبقي لفترة معطلاً.

بعد دعوات من بعض الأصدقاء، قررت أن أمضي عطلة العيد الأضحى في بيروت، كانت الرحلة مريحة، والدخول من مطار بيروت الدولي (مطار الحريري)، حتى الوصول إلى الفندق ميسراً ومرحباً.

وما هي إلا ليلة واحدة، حتى صب وابل من النار والصواريخ من إسرائيل على جزء من الضاحية الجنوبية في ليلة عيد الأضحى، ما ذكرني بما مررت به منذ سنوات طويلة، أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وقتها كنت أزور بيروت، غير عابئ بالأحداث الجسام وقتها، ربما (طيش الشباب).

وأيضاً في ليلة عيد الأضحى، كنت قد سكنت في أحد فنادق العاصمة، وإذا بوابل من النيران تشتعل في العاصمة تقريباً في كل مكان، فهمت أن تلك الليلة كانت تصادف ليلة عيد الأضحى، وتصادف أيضاً عيد مار مارون لدى الطائفة المسيحية، فأخذ الجميع يعلن عن فرحته بـ (الطريقة اللبنانية)!! إطلاق (المدافع وقتها)!! قضيت ليلة ليس فوق السرير، ولكن تحته، تحسباً للأسوأ، ليلة عيد الأضحى منذ أيام، ذكرتني بذلك، وإن كانت النيران هذه المرة ليست من الداخل، بل من صلف الجار!! وعناد المجاور!!!

تبهرك بيروت بحيويتها، قال لي أحد الأصدقاء على مائدة الغداء، إن لبنان واللبنانيين هم مثل كرة لعبة التنس الأرضي، كلما ضربتها بقوة، قفزت إلى الأعلى، تلك الرمزية، تلخص ألم لبنان وأمله، ولكنها تعني قدرة اللبنانيين على النهوض، وقدرتهم على التأقلم مع كل المعطيات التي تمر بها بلدهم، وهي ضحية في جزء منها، ضحية الجغرافيا، وجزء التدخلات الخارجية، التي لم يشفَ منها لبنان بعد، وإن قربت إلى الشفاء.

بيروت بمكتباتها ومسارحها، وأيضاً مطاعمها، ما زالت كما هي، وعندما تشرف الطائرة على النزول التدريجي إلى مطار بيروت الدولي، تجد أن بيروت منيرة، على عكس ما قيل بشح الكهرباء، وعندما تتفاعل مع اللبنانيين، تجد أنها منيرة أكثر، بسبب الترحيب والابتسامة العريضة التي يقدمها لك المواطن اللبناني.

ترى، متى توضع السيوف في أغمادها في لبنان؟ هناك من يتفاءل، وهناك من يتشاءم، ولكن الأمر العقلاني الذي يجب أن نعترف به، هو أن لبنان بكل طوائفه، غير قادر على مقارعة الصلف الإسرائيلي المتفوق في العدة والعتاد، والمدعوم بقوة كبرى، هي الأعظم في العالم في عصرنا.

وقد حاولت شرائح من لبنان أن تقوم بالمقاومة، نجحت في مكان، وأخفقت في مكان آخر، إلا أن المرحلة الحالية لا تحتمل أن تقاوم العين المخرز، وبالتالي، فإن تعافي لبنان هو في وحدته السياسية، وتآلف مكوناته، وحزامه العربي والدولي.

أسواق لبنان عامرة هذا العيد، وكذلك مطاعم لبنان، وما هو أكثر من ذلك، النقاشات عالية السقف التي يجريها اللبنانيون مع بعضهم، أو مع زوارهم حول الأوضاع الراهنة.

النقاش هذا له عنوان مركزي في هذه الأيام، وهو توحيد السلاح اللبناني في يد الدولة، فما زال هذا الأمر معلقاً، وبالتالي، الوضع اللبناني بشكل عام، يصبح معلقاً، ما دام هذا الملف لم يتم حله بشكل نهائي، وبالتراضي.

العقلاء يرون أن سلاحاً واحداً في لبنان يقيها من شر الصلف الإسرائيلي، وهو رسالة إلى العالم الذي يرغب أن يرى هذه المنطقة منطقة سلام.

ولا شك أن الحكومة الحالية، ورئيس الجمهورية الحالي، يعملون بدأب بذلك التوجه، ولكن المعضلة هنا، هي إقناع الطرف الآخر، بأن يكون شريكاً إيجابياً في بناء هذا البلد الجميل، وألا يكون شريكاً مناكفاً.

البعض يرى أن مشكلات لبنان هي في خارجه، وآخرون يرون أن مشكلة لبنان في داخله، ومتى ما حُلّت المشكلة الداخلية، فإن القضايا الخارجية سوف تُحَل بشكل أسرع، والتغيرات الحادثة في منطقة الشرق الأوسط، هي تغيرات سريعة، من ضمنها عدم اليقين الكبير، إلى أين ذاهب لبنان، هل إلى إغماد السيوف أم إلى صقلها، الزمن كفيل بأن يجيب عن هذا السؤال، وهو زمن ليس بالطويل.