العالم منشغل بوقف إطلاق النار في غزة ومآلات التسوية بعد الحرب، لكن يبدو أن الضفة الغربية على صفيح ساخن. في مؤتمر مركز الإمارات للسياسات، الذي انعقد في هذا الشهر، ألقى معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، كما جرت العادة خطاب الافتتاح، الذي أكد ضرورة وضع خريطة طريق تفضي إلى حل الدولتين.
والحل كما شدد أكثر من مسؤول إماراتي يحتاج إلى عدم التوسع في الضفة الغربية حتى لا تضيع فرصة حل الدولتين بضياع الضفة الغربية عبر الاستيطان والعدوان المستمر من قبل المستوطنين.
وقد كان هذا موضوع الكلمة التي ألقتها معالي لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية، في منتدى هيلي في سبتمبر الماضي، حيث حذرت من عواقب ضم الضفة الغربية، الذي سيؤدي إلى انهيار عملية السلام ويهدد روح الاتفاقات الإبراهيمية.
لكن إسرائيل لا تلوي على شيء ولا على كل هذه المناشدات بتخفيف الضغوط المستمرة على سكان الضفة. وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز الذائعة الصيت مقالة بعنوان:
«ليس هناك وقف للنار في الضفة الغربية». تقول الكاتبة التي تعمل محللة للشأن الإسرائيلي مع مجموعة الأزمات الدولية إنه عند بدء دخول وقف إطلاق النار في غزة، قام مستوطنون بالهجوم على فلسطينيين من قرية في الضفة الغربية كانوا يقومون بقطف الزيتون من مزارعهم، وقد جرح نحو 20 فلسطينياً من جراء الهجوم، من بينهم مسنّان أدخلا المستشفى بسبب جروحهما إثر رصاص المستوطنين.
وتضيف الكاتبة أنه بعد ذلك بتسعة أيام قام مستوطن ملثّم بالهجوم على سيدة فلسطينية عمرها 53 عاماً بهراوة، أفقدها وعيها. وقد التقطت عدسة مصور أمريكي هذه الأحداث وغيرها في الضفة. وهناك فيديو آخر يظهر جنوداً ومستوطناً يقومون بضرب مسن في الخامسة والستين في قرية نحالين الفلسطينية أمام أسرته.
هذه لم تعد أحداثاً منفصلة أو منفردة، لكنها نمط متكرر لزيادة الضغط على الفلسطينيين لترك أراضيهم والهجرة إلى الخارج. وقد زادت وتيرة عنف المستوطنين بعد تسلم بتسلئيل سموتريتش شؤون حكم الضفة بصفته عضواً في ائتلاف حكومة بنيامين نتانياهو اليمينية.
. وقد فرضت عليه عقوبات من دول كالمملكة المتحدة وكندا وأستراليا، التي تتهمه بالتحريض على العنف ضد الفلسطينيين، كما تتهمه هولندا بتأييد التطهير العرقي، وفق ما أوردت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».
وبالنسبة لسموتريتش، فإن أفعاله لا تقتصر على التحريض على العنف، بل تتجاوزه لإحكام السيطرة على الضفة الغربية وتفويت أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية متواصلة على الأراضي الفلسطينية المعترف بها دولياً. وفي عهد سموتريتش تضاعف بناء المستوطنات أضعافاً عدة.
كما تم الاستيلاء على أراضٍ في الضفة الغربية بدواعي أنها ممتلكات دولة إسرائيل. وتذكر الكاتبة أن سموتريتش وافق على خمسين ألف وحدة سكنية، وتضيف أن الوزير صادر أراضي خلال السنوات الثلاث من توليه منصبه أكثر ما استولت عليه إسرائيل منذ توقيع اتفاقات أوسلو.
وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، عبّر عن قلقه إزاء أحداث العنف في الضفة الغربية، التي قد تؤدي إلى تقويض وقف إطلاق النار الهش في غزة، في تصريح نادر للولايات المتحدة بشأن عنف المستوطنين في الضفة.
بل إن الرئيس ترامب ألغى عقوبات فرضتها إدارة بايدن على بعض المستوطنين وكيانات تابعة لهم. القضية قديمة، وقد كتب عنها الباحثان الأمريكيان، دانيال بيمن، ونيتن ساكس، في سنة 2012.
وكان عنوان المقالة مثيراً، وهو «تصاعد إرهاب المستوطنين.. عنف المتطرفين الآخرين في الضفة». والمقالة تهيب بإسرائيل مكافحة عنف المستوطنين، وتدعو المسؤولين الأمريكيين للمساعدة في هذا المضمار.
هذا الموضوع لا يتعلق بالعنف المستشري في الضفة رغم خطورته، ولكن بالمستوى الاستراتيجي لإيجاد حل عادل للفلسطينيين، وعلى المستوى الآني تفادي تكرار ما حصل في غزة أن يحدث في الضفة.
وقد قيل قديماً: «كل الحوادث مبدأها من النظر / ومعظم النار من مستصغر الشرر».