جرى ذلك بهدوء وبدون أن تحدث المفاجأة التي تصور البعض وقوعها، باستخدام الفيتو من جانب المندوب الروسي أو الصيني أو كليهما معاً. كان جل ما فعله المندوبان أن طويا مقترحيهما المختلفين نسبياً، والتزما موقف الامتناع عن التصويت خلافاً لبقية الأعضاء.
تمثل استمرارية للمسار الذي غلف السياستين الروسية والصينية مؤخراً، لا سيما خلال سنتي الحرب على غزة، وقوامه عدم مناكفة طلاقة اليد الأمريكية في الشؤون الشرق أوسطية وفي القلب منها المسألة الفلسطينية، وهي ثانياً:
تتسق مع المواقف الإيجابية للقوى العربية والإسلامية، بل وللسلطة الفلسطينية، الأكثر انغماساً وانشغالاً بمصير غزة، تجاه المقترح الأمريكي إجمالاً.
وأهم من ذلك ثالثاً: أن الدبلوماسية الأمريكية، ورغبة منها على الأرجح في عدم استفزاز أصحاب الفيتو، ولا إغضاب الشركاء العرب والمسلمين، اضطرت لإجراء تعديلات في مشروعها، زبدتها ما نص عليه البند الثاني من أنه «بعد تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، وإحراز تقدم في إعادة التنمية في غزة، قد تتوافر الظروف لمسار موثوق يتيح للفلسطينيين تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية».
إذ لا شيء يدغدغ عواطف هؤلاء مثل الاقتراب من تحقيق أو تجسيد هدف الدولة من هذه الحقوق، فكيف إذا جاء النص على هذا الهدف في قرار أممي عن مجلس الأمن صاغته الولايات المتحدة ؟!.
نتحدث هنا عن قناعة تكاد تكون فوق تاريخية، عابرة لأي لحظة، يبدو فيها المناخ العام للقضية الفلسطينية غائماً، وربما كان مواتياً نسبياً لأعداء هذه القضية، على غرار اللحظة الراهنة.
وتشير أسس قيام هذه الدولة، وفقاً لخطاب منظمة التحرير الفلسطينية إلى نوازعها السلمية منذ البداية، فالحركة الوطنية الفلسطينية، بكل أطيافها طرقت أبواب القوانين والمواثيق الدولية، وهى تعلن جهرة تخليها عن العنف والالتزام بأقل من نصف ما أقرته لها الشرعية الدولية من أرض في قرار التقسيم الشهير عام 1947.
والعاطفين على عالم القانون والنظام في الجهات الأربع، ثم إنه بانبعاث هذه الدولة، تزول إلى حد التلاشي أو الأفول بعض من أنشط بواعث التشاحن والجفاء والتطرف بين الدائرة العربية الإسلامية من جهة وعالم الغرب على جانبي الأطلسي من جهة أخرى.
ففي سيرة القضية الفلسطينية منذ بزوغها إلى يومنا هذا، ما ساق الفلسطينيين ومن خلفهم قطاعات واسعة من هذه الدائرة إلى الحنق - حتى لا نقول الحقد - على الغرب، بحسبه المسؤول الأول عن جناية إنشاء إسرائيل وما ألحقه بفلسطين وجوارها الإقليمي من ظلامات ظاهرة وباطنة.